الله، وتنزع منا عزا قد ألبسناه الله، فقد عرفت ما بيننا وبين هؤلاء القوم آل علي قديما وحديثا، وما كان عليه الخلفاء الراشدون قبلك من تبعيدهم والتصغير بهم، وقد كنا في وهلة من عملك مع الرضا ما عملت، حتى كفانا الله المهم من ذلك، فالله الله أن تردنا إلى غم قد انحسر عنا، واصرف رأيك عن ابن الرضا، واعدل إلى من تراه من أهل بيتك يصلح لذلك دون غيرهم.
فقال لهم المأمون: أما ما بينكم وبين آل أبي طالب فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى بكم، وأما ما كان يفعله من قبلي بهم فقد كانوا به قاطعا للرحم، وأعوذ بالله من ذلك. ووالله ما ندمت على ما كان مني من استخلاف الرضا، ولقد سألته أن يقوم بالأمر وأنزعه عن نفسي فأبى، وكان أمر الله قدرا مقدورا. وأما أبو جعفر محمد بن علي فوالله لا قبلت من واحد منكم في أمره شيئا، فقد اخترته لتبريزه على كافة أهل الفضل في العلم والفضل مع صغر سنه، والأعجوبة فيه بذلك، وأنا أرجو أن يظهر للناس ما قد عرفته منه، فيعلموا أن الرأي ما رأيت فيه.
فقالوا: يا أمير المؤمنين أتزوج ابنتك وقرة عينك صبيا لم يتفقه في دين الله، ولا يعرف حلاله من حرامه، ولا فرضا من سنته؟ إن هذا الفتى وإن راقك منه هديه، فإنه صبي لا معرفة له ولا فقه، فأمهله ليتأدب، ويقرأ القرآن، ويتفقه في الدين، ويعرف الحلال من الحرام، ثم اصنع ما تراه بعد ذلك.
فقال لهم المأمون: ويحكم! إني أعرف بهذا الفتى منكم، وإنه لأفقه منكم، وأعلم بالله ورسوله وسنته وأحكامه، وأقرأ لكتاب الله منكم، وأعلم بمحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وظاهره وباطنه، وخاصه وعامه، وتنزيله وتأويله منكم، [وإن هذا من أهل بيت علمهم من الله ومواده وإلهامه، لم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب عن الرعايا الناقصة عن حد الكمال]، فإن