لكنه تركه أياما يستريح من وعثاء السفر، فأنسته ملاذه ولياليه الحمراء، وجود الإمام الجواد في بغداد، فمكث أياما أخرى.
يقول المحدث القمي: خرج المأمون يوما للصيد، فاجتاز بطرف البلد، وثم صبيان يلعبون ومحمد الجواد (عليه السلام) واقف عندهم، فلما أقبل المأمون فر الصبيان ووقف محمد الجواد (عليه السلام) وعمره إذ ذاك تسع سنين.
فلما قرب منه الخليفة نظر إليه وكان الله تعالى ألقى في قلبه مسحة قبول، فقال له: يا غلام ما منعك أن لا تفر كما فر أصحابك؟
فقال له محمد الجواد (عليه السلام) مسرعا: " يا أمير المؤمنين فر أصحابي خوفا، والظن بك حسن أنه لا يفر منك من لا ذنب له، ولم يكن بالطريق ضيق فأتنحى عن أمير المؤمنين ".
فأعجب المأمون كلامه وحسن صورته، فقال: ما اسمك يا غلام؟
فقال: " محمد بن علي الرضا ".
فترحم الخليفة على أبيه، وساق جواده إلى ناحية وجهته، وكان معه بزاة الصيد فلما بعد عن العمارة أخذ الخليفة بازيا منها وأرسله على دراجة، فغاب البازي عنه قليلا، ثم عاد وفي منقاره سمكة صغيرة وبها بقايا من الحياة، فتعجب المأمون من ذلك غاية العجب.
ثم إنه أخذ السمكة في يده وكر راجعا إلى داره وترك الصيد في ذلك اليوم وهو متفكر فيما صاده البازي من الجو فلما وصل موضع الصبيان وجدهم على حالهم، ووجد محمدا معهم فتفرقوا على جاري عادتهم إلا محمدا، فلما دنا منه الخليفة، قال: يا محمد!