فأصبحنا في غداة باردة وقد دنونا منها، وأصبحنا على عين من عيون ساية، فخرج إلينا من تلك الضياع عبد زنجي فصيح مستدفئ بخرقة، على رأسه قدر فخار يفور، فوقف على الغلمان فقال: أين سيدكم؟ قالوا: هو ذاك، قال: أبو من يكنى؟
قالوا له: أبو الحسن.
قال: فوقف عليه، فقال: يا سيدي، يا أبا الحسن، هذه عصيدة أهديتها إليك.
قال: ضعها عند الغلمان، فوضعها عند الغلمان، فأكلوا منها.
قال: ثم ذهب فلم نقل بلغ حتى خرج وعلى رأسه حزمة حطب، حتى وقف عليه، فقال له: يا سيدي، هذا حطب أهديته إليك. قال: ضعه عند الغلمان، وهب لنا نارا. فذهب فجاء بنار. قال: وكتب أبو الحسن اسمه واسم مولاه فدفعه إلي، وقال: يا بني، احتفظ بهذه الورقة حتى أسألك عنها.
قال: فوردنا إلى ضياعه، وأقام بها ما طاب له، ثم قال: امضوا بنا إلى زيارة البيت، قال: فخرجنا حتى وردنا مكة، فلما قضى أبو الحسن عمرته دعا صاعدا، فقال: اذهب فاطلب لي هذا الرجل، فإذا علمت بموضعه فأعلمني حتى أمشي إليه، فإني أكره أن أدعوه والحاجة لي. قال لي صاعد: فذهبت حتى وقفت على الرجل، فلما رآني عرفني - وكنت أعرفه، وكان يتشيع - فلما رآني سلم علي، وقال:
أبو الحسن قدم؟ قلت: لا. قال: فأيش أقدمك؟ قلت: حوائج. وقد كان علم بمكانه وبشأنه، فتتبعني وجعلت أتقصى منه ويلحقني بنفسه، فلما رأيت أني لا أنفلت منه، مضيت إلى مولاي ومضى معي حتى أتيته، فقال: ألم أقل لك لا تعلمه؟ فقلت: جعلت فداك، لم أعلمه، فسلم عليه، فقال له أبو الحسن:
غلامك فلان تبيعه؟ قال له: جعلت فداك، الغلام لك والضيعة وجميع ما أملك.
قال: أما الضيعة فلا أحب أن أسلبكها، وقد حدثني أبي، عن جدي، أن بائع الضيعة ممحوق، ومشتريها مرزوق.