طويل، وأنا قائم أقرأ وهو ساكت. فرفع رأسه، وقال: اكتفيت بما قرأت، فكلم بحجتك بما قرأته.
قلت: يا أمير المؤمنين، والذي بعث محمدا (صلى الله عليه وآله) بالنبوة ما حمل إلي أحد درهما ولا دينارا من طريق الخراج، لكنا معاشر آل أبي طالب نقبل الهدية التي أحلها الله عز وجل لنبيه (صلى الله عليه وآله) في قوله: " لو أهدي إلي كراع لقبلت، ولو دعيت إلى ذراع لأجبت ".
وقد علم أمير المؤمنين ضيق ما نحن فيه، وكثرة عدونا، وما منعنا السلف من الخمس الذي نطق لنا به الكتاب، فضاق بنا الأمر، وحرمت علينا الصدقة، وعوضنا الله عز وجل عنها الخمس، فاضطررنا إلى قبول الهدية، وكل ذلك مما علمه أمير المؤمنين.
فلما تم كلامي سكت، ثم قلت: إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لابن عمه في حديث عن آبائه، عن النبي (صلى الله عليه وآله)؛ فكأنه اغتنمها، فقال: مأذون لك، هاته!
فقلت: حدثني أبي، عن جدي، يرفعه إلى النبي (صلى الله عليه وآله): " إن الرحم إذا مست رحما تحركت واضطربت "، فإن رأيت أن تناولني يدك، فأشار بيده إلي. ثم قال:
أدن، فدنوت، فصافحني وجذبني إلى نفسه مليا ثم فارقني وقد دمعت عيناه، فقال لي: اجلس يا موسى، فليس عليك بأس، صدقت، وصدق جدك، وصدق النبي (صلى الله عليه وآله)، لقد تحرك دمي، واضطربت عروقي، واعلم أنك لحمي ودمي، وأن الذي حدثتني به صحيح، وإني أريد أن أسألك عن مسألة، فإن أجبتني أعلم أنك صدقتني، خليت عنك ووصلتك، ولم أصدق ما قيل فيك.
فأجابه الإمام (عليه السلام) عن كل ما سأل بأبلغ جواب. وقد تقدمت أسئلة الرشيد وأجوبة الإمام (عليه السلام) في فصل مناظراته ومحاججاته (عليه السلام).