قال: يا هارون، لولا أن الدين حساب لما أخذ الله الخلائق بالحساب يوم القيامة، قال تعالى: ﴿فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين﴾ (1).
قال: فظهر الغضب في وجه هارون وتغير من حال إلى حال حين قال له:
يا هارون، ولم يقل له: يا أمير المؤمنين، وبلغ منه ذلك مبلغا شديدا، غير أن الله عصمه من ذلك الغضب، ورجع إلى عقله لما علم أن الله هو الذي أنطقه بذلك.
ثم قال له الرشيد: وتربة آبائي وأجدادي إن لم تفسر لي ما قلت أمرت بضرب عنقك بين الصفا والمروة.
فقال له الحاجب: يا أمير المؤمنين، اعف عنه، وهبه لله تعالى لأجل هذا المقام الشريف. قال: فضحك الأعرابي من قولهما حتى استلقى على قفاه.
فقال له الرشيد: مم تضحك؟ قال: عجبا منكما، فإن أحدكما يستوهب أجلا قد حضر، والآخر يستعجل أجلا لم يحضر. فلما سمع الرشيد ما سمع منه، هانت عليه الدنيا. ثم قال: سألتك بالله إلا ما فسرت لي ما قلت، فقد تشوقت نفسي إلى شرحه.
فقال الأعرابي: أما سؤالك عما فرض الله علي، فقد فرض الله علي فروضا كثيرة، فقولي لك عن فرض واحد، هو دين الإسلام، وأما قولي لك عن خمسة فروض فهي الصلوات الخمس، وأما قولي لك عن سبعة عشر فهي سبع عشر ركعة في اليوم والليلة، وأما قولي لك عن أربع وثلاثين فهي السجدات، وأما قولي عن أربع وتسعين فهي التكبيرات، وأما قولي لك عن واحدة من أربعين فهي الزكاة