ليصلي فيه فسبقه فصلى فيه.
فلما فرغ الرشيد من صلواته وطوافه، قال للحاجب: ائتني بالأعرابي، فأتى الحاجب الأعرابي، وقال له: أجب أمير المؤمنين. فقال: ما لي إليه حاجة، إن كانت له حاجة، فهو أحق بالقيام إليها. فانصرف الحاجب مغضبا، ثم قص على الرشيد حديثه. فقال: صدق، نحن أحق بالقيام والسعي إليه، ثم نهض الرشيد والحاجب بين يديه حتى وقف بإزاء الأعرابي وسلم عليه، فرد عليه السلام.
فقال له الرشيد: يا أخا العرب، أجلس ها هنا بأمرك؟ فقال له الأعرابي:
ليس البيت بيتي، ولا الحرم حرمي، البيت بيت الله، والحرم حرم الله، وكلنا فيه سواء، إن شئت تجلس وإن شئت تنصرف.
قال: فعظم ذلك على الرشيد حيث سمع ما لم يخطر في أذنه، وما ظن أحدا يواجهه بمثل ذلك، فجلس إلى جانبه، وقال له: يا أعرابي، أريد أن أسألك عن فرضك، فإن قمت به فأنت بغيره أقوم، وإن عجزت عنه فأنت عن غيره أعجز.
فقال له الأعرابي: سؤالك هذا سؤال متعلم أو سؤال متعنت؟ قال: فعجب الرشيد من سرعة جوابه، وقال: بل سؤال متعلم.
فقال الأعرابي: قم واجلس مقام السائل من المسؤول. قال: فقام الرشيد وجثا على ركبتيه بين يدي الأعرابي، فقال له: قد جلست، سل عما بدا لك.
فقال: أخبرني عما فرضه الله عليك.
فقال له: تسألني عن أي فرض، عن فرض واحد، أم عن خمسة فروض، أم عن سبعة عشر فرضا، أم عن أربعة وثلاثين فرضا، أم عن أربعة وتسعين فرضا، أم عن واحدة من أربعين، أم عن واحدة في طول العمر، أم عن خمسة من مائتين؟
قال: فضحك الرشيد مستهزءا، ثم قال: سألتك عن فرض، فأتيتني بحساب الدهر!