" ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامن من شخصه، وقارب من خطوه، وشمر من ثوبه، وزخرف من نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية " (1).
ومن الصعب تمييز النماذج الماثلة لطلاب الدنيا بخاصة طلابها الذين عليهم مسحة التوجه إلى الآخرة، فهذا اللون من التوجه لا يظهر إلا عند محطات الاختبار وفى منعطفات الحياة الوعرة، وهناك تنجلي جوهرة الباطن، ونعم ما قاله الإمام (عليه السلام) في هذا المجال:
" في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال ". (2) إن إدراك الحقيقة المستخفية وراء حجاب الرياء والتدليس أمر لا يهتدي إليه كل أحد؛ فهو يتطلب بصيرة عميقة ثاقبة كبصيرة مالك الأشتر، حتى يتسنى أن يرى حب الدنيا كامنا وراء السجدات الطويلة والنزعات الخادعة ببريق قداستها المفتعلة. لقد كان مالك على مشارف النصر في صفين، وتقدم حتى اقترب من خيمة طلاب السلطة، لكنه أكره على التقهقر تحت ضغط " القراء ". وحين عاد خاطبهم بحرقة وألم، فقال لهم:
" يا أصحاب الجباه السود! كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا، وشوقا إلى لقاء الله عز وجل، فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت، ألا قبحا يا أشباه النيب الجلالة " (3).