وهذا اللون من طلب الدنيا وضروب حبها والركون إليها ورد أيضا في كلام تربوي للإمام زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) يبعث على التذكير والتنبيه، فلنقرأه معا:
" إذا رأيتم الرجل قد حسن سمته وهديه، وتماوت في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويدا لا يغرنكم؛ فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا وركوب المحارم منها لضعف نيته، ومهانته، وجبن قلبه؛ فنصب الدين فخا لها، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره؛ فإن تمكن من حرام اقتحمه. وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويدا لا يغرنكم؛ فإن شهوات الخلق مختلفة؛ فما أكثر من ينبو عن المال الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة فيأتي منها محرما، فإذا وجدتموه يعف عن ذلك فرويدا لا يغركم حتى تنظروا ما عقده عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع، ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله، فإذا وجدتم عقله متينا، فرويدا لا يغركم حتى تنظروا: أمع هواه يكون على عقله، أو يكون مع عقله على هواه؟ وكيف محبته للرئاسات الباطلة وزهده فيها؟ فإن في الناس من خسر الدنيا والآخرة بترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرئاسة الباطلة أفضل من لذة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلبا للرئاسة الباطلة، حتى إذا قيل له: اتق الله، أخذته العزة بالإثم، فحسبه جهنم، ولبئس المهاد؛ فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطل إلى أبعد غايات الخسارة، ويمده ربه بعد طلبه لما لا يقدر عليه في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله، لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له رئاسته التي قد شقي من أجلها، فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذابا مهينا.
ولكن الرجل كل الرجل نعم الرجل هو الذي جعل هواه تبعا لأمر الله، وقواه