فقام شيخ عليه دراعة وعمامة وخف تعزى فتقدم، فجعل يناظره في فدك والمأمون يحتج عليه وهو يحتج على المأمون، ثم أمر أن يسجل لهم بها، فكتب السجل وقرئ عليه فأنفذه، فقام دعبل إلى المأمون فأنشده الأبيات التي أولها:
أصبح وجه الزمان قد ضحكا * برد مأمون هاشما فدكا فلم تزل في أيديهم حتى كان في أيام خلافة المتوكل، فأقطعها عبد الله بن عمر البازيار، وكان فيها إحدى عشرة نخلة غرسها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بيده، فكان بنو فاطمة يأخذون ثمرها، فإذا قدم الحاج أهدوا لهم من ذلك التمر فيصلونهم فيصير إليهم من ذلك مال جزيل جليل، فصرم عبد الله بن عمر البازيار ذلك التمر، ووجه رجلا يقال له بشران بن أبي أمية الثقفي إلى المدينة فصرمه، ثم عاد إلى البصرة ففلج (١).
ونقل في الأنوار كيفية رد المأمون فدكا لأولاد فاطمة (عليها السلام) عن صاحب التاريخ المعروف بالعباسي في حوادث سنة ثماني عشرة ومائتين: إن جماعة من ولد الحسن والحسين (عليهما السلام) رفعوا قصة إلى المأمون يذكرون فيها فدكا والعوالي، وانهما كانتا لأمهم فاطمة (عليها السلام) ومنعهما أبو بكر بغير حق، فسألوا المأمون إنصافهم وكشف ظلامتهم، فأحضر المأمون مائتي عالم من علماء الحجاز والعراق وغيرهم من علماء الجمهور، وتوكل إليهم في أداء الصدق، وسألهم عما عندهم من الحديث في ذلك.
فروى غير واحد منهم عن بشر بن الوليد، والواقدي، وبشر بن غياث في أحاديث يرفعونها إلى النبي (صلى الله عليه وآله) انه لما افتتح خيبر اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود، فنزل جبرئيل بهذه الآية، وهي قوله تعالى: ﴿وآت ذا القربى حقه﴾ (2) فقال محمد (صلى الله عليه وآله): من ذو القربى وما حقه؟ فقال: فاطمة تدفع إليها فدكا، ثم أعطاها العوالي بعد ذلك فاستغلتها حتى توفي أبوها.