جهة أن المراد بالعدل هنا في المعنى هو الميل إلى أئمة الهدى الموجب لانتظام القلوب واعتدالها في الإعتقاد، وهو انما يحصل بالقول بأئمة الهدى، والوصول والتشرف إلى خدمة سادات الورى (عليهم السلام)، وذلك إنما كان يحصل في ضمن الحج، كما ظهر مما أشير إليه في كون الحج تشييدا للدين من دلالة بعض الأخبار على أن أصل تشريع الحج انما كان للتشرف بخدمة أئمة الدين (عليهم السلام)، إذ عند ذلك تنتسق القلوب، وتعتدل في الطريقة المستقيمة ولا تتخلف عن جادة الحقيقة، فيحصل من القلوب حينئذ الطاعة للأئمة (عليهم السلام) لما يرى منهم ما يوجب القول بولاية الأئمة، وان بيدهم الخلافة الكبرى الدينية والدنيوية.
وهذه الطاعة نظام للملة إذ بها تنتظم أمور أهل الملة، وإلا فتتشتت القلوب بالأهواء المختلفة إلى أئمة الضلال الذين يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون، فيتيهون في أودية الحيرة والجهالة بخلاف إمامة أئمة الهدى، فإنه أمان للناس من الفرقة - بضم الفاء - اسما من فارقته مفارقة وفراقا أي الافتراق في بوادي الغواية.
و (الجهاد) مصدر من قولك: جاهد فلان يجاهد مجاهدة وجهادا من الجهد - بالفتح والضم - بمعنى الوسع والطاقة، وقيل: الضم في الحجاز والفتح في غيرهم، فالمجاهدة بذل الطاقة، وقرئ بالوجهين قوله تعالى: ﴿والذين لا يجدون إلا جهدهم﴾ (1).
وقال الفراء: الجهد - بالضم - الطاقة وبالفتح المشقة، من قولك إجهد جهدك في هذا الأمر أي أوقع نفسك في المشقة (2)، أو الجهد هنا بمعنى الغاية أي أبلغ غايتك، وجهد دابته وأجهدها إذا حمل عليها في السير فوق طاقتها.
وفي الدعاء: (وأعوذ بك من جهد البلاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء) (3)