يجزي الناس بها بأيدي الملائكة: انه أمر عدمي لا يظهر لغيره تعالى، فهو أبعد من شوب الرياء وأقرب إلى الإخلاص، فيكون قوله تعالى (أنا أجزي به) مبالغة في اكرام الصوم وأهله، أي أنا أباشر بنفسي لجزائه بلا إحالة أمره إلى الملائكة.
ولما ذكر في وجه اشتماله على الإخلاص جعل الصوم في الفقرة الشريفة تثبيتا للاخلاص أي موجبا لتشييد الإخلاص وابقائه أو مظهرا له ولبيانه، ويؤيد الأخير أن في بعض النسخ: (تبيينا للإخلاص).
وقيل في وجه اختصاص الصوم به تعالى وتخصصه بهذه الفضيلة: انه موجب لضعف القوى البدنية، وكسر الشهوات النفسانية، أو باعث للتصفية والتخلية، وجلاء الحواس الظاهرية والباطنية عن الكدورات العرفية، أو انه جهاد مع النفس وهو الجهاد الأكبر الذي أشير إليه في قوله (صلى الله عليه وآله): قد رجعنا من الجهاد الأصغر - يعني المجاهدة الظاهرية مع المشركين والمنافقين - وبقي علينا الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ قال (صلى الله عليه وآله): جهاد النفس (1).
أو ان الصوم من جهة اشتماله على الجوع يكسر سورة الشيطان وجنوده المفسدين في أرض البدن، كما ورد: (إن الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم، فضيقوا مجاريه بالجوع) (2) إلى غير ذلك.
وقرئ قوله تعالى (أنا اجزى به) بصيغة المجهول، وعلى تقدير صحته يكون المعنى: وأنا جزاء صومه، من باب ما نسب إلى الحديث القدسي: (من أحبني عشقني ومن عشقني قتلته، ومن قتلته فأنا ديته).
و (الحج) قد مرت الإشارة إلى معناه اللغوي والشرعي، والمراد هنا هو معناه الشرعي.
و (التشييد) من الشيد - بالفتح - بمعنى الرفع، أومن الشيد - بالكسر - وهو كل