قيل: والأصل في إطلاق الدور المواضع، وقد تطلق على القبيلة مجازا إذا اجتمعت في محلة، ومنه قوله (صلى الله عليه وآله): (ألا أخبركم بخير دور الأنصار؟ دور بني النجار) (١)، وأما إطلاقها على الدنيا أو الآخرة فهو حقيقة عرفية ثانوية.
وفي اصطلاح أهل المعرفة حقيقة أولية لكون المعاني الموضوع لها عامة عندهم، فللدنيا حائط محيط لما فيها من البيوت وكذلك الآخرة، والدار قد يضاف إلى الدنيا والآخرة فتكون بالإضافة البيانية، وقد توصف بهما بناء على اعتبار وصفيتهما الأصلية، فيقال: الدار الدنيى تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب من دنا يدنو دنوا إذا قرب، أو بمعنى الأحقر والأذل من الدون بمعنى الخسيس.
والآخرة فاعلة بمعنى المتأخرة مثل دار العقبى، والدار العقبى مؤنث أعقب بمعنى المتأخر أيضا، ويجوز على الإضافة جعل المضاف إليه مصدرا سيما في دار العقبى على وزن الرجعي والبشرى، ودار الله هي الآخرة، أو حضرة قدسه، أو الجنة، فإن الله هو السلام والجنة دار السلام.
والدارة أخص من الدار، ودارة الوجه ما يحيط به من جوانبه، والدارة هالة القمر تشبيها بالدار المحيطة على البيت، ويقال: ما بها دوري ولا ديار أي أحد، ومنه قوله تعالى: ﴿وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا﴾ (2) أي أحدا، وهي فيعال من درت وأصله ديوار فاعل، والدواري: الدهر يدور بالإنسان أحوالا.
والداري العطار وهو منسوب إلى دارين فرضة بالبحرين، فيها سوق كان يحمل إليها المسك من ناحية الهند، ويجوز أن يعتبر نسبته إلى دار الصين الذي يجاء منه الأدوية المعطرة مثل القرنفل ونحو ذلك، ومنه الدارصين من العقاقير المعروفة، وفي الحديث: (مثل الجليس الصالح مثل الداري إن لم يحذك من عطره