وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بني بلى، فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم يتألفهم بذلك، حتى إذا كان على ماء بأرض جذام يقال له السلاسل - وبه سميت تلك الغزوة ذات السلاسل - قال: فلما كان عليه وخاف بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمده، فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في المهاجرين الأولين، فيهم أبو بكر وعمر، وقال لأبي عبيدة حين وجهه " لا تختلفا ".
فخرج أبو عبيدة حتى إذا قدم عليه قال له عمرو: إنما جئت مددا لي، فقال له أبو عبيدة: لا ولكني على ما أنا عليه وأنت على ما أنت عليه.
وكان أبو عبيدة رجلا لينا سهلا، هينا عليه أمر الدنيا. فقال له عمرو: [بل] (1) أنت مددي. فقال له أبو عبيدة: يا عمرو إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال لي:
" لا تختلفا " وإنك إن عصيتني أطعتك فقال له عمرو: فإني أمير عليك وإنما أنت مدد لي.
قال: فدونك. فصلى عمرو بن العاص بالناس.
* * * وقال الواقدي: حدثني ربيعة بن عثمان، عن يزيد بن رومان، أن أبا عبيدة لما آب إلى عمرو بن العاص فصاروا خمسمائة فساروا الليل والنهار حتى وطئ بلاد بلى ودوخها، وكلما انتهى إلى موضع بلغه أنه قد كان بهذا الموضع جمع فلما سمعوا بك (2) تفرقوا، حتى انتهى إلى أقصى بلاد بلى وعذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعا ليس بالكثير فاقتتلوا ساعة، وتراموا بالنبل ساعة، ورمى يومئذ عامر بن ربيعة وأصيبت ذراعه، وحمل المسلمون عليهم فهزموا وأعجزوا هربا في البلاد وتفرقوا، ودوخ عمرو ما هناك وأقام أياما لا يسمع لهم بجمع ولا مكان صاروا فيه، وكان يبعث أصحاب الخيل فيأتون بالشاء والنعم، فكانوا ينحرون ويذبحون ولم يكن في ذلك أكثر من ذلك، ولم تكن غنائم تقسم.