وذكر ابن إسحاق قصة الزبير بن باطا، وكان شيخا كبيرا قد عمى، وكان قد من يوم بعاث على ثابت بن قيس بن شماس وجز ناصيته، فلما كان هذا اليوم أراد أن يكافئه فجاءه فقال: هل تعرفني يا أبا عبد الرحمن؟ قال: وهل يجهل مثلي مثلك. فقال له ثابت:
أريد أن أكافئك. فقال: إن الكريم يجزى الكريم.
فذهب ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلقه فأطلقه له، ثم جاءه فأخبره فقال: شيخ كبير لا أهل [له (1)] ولا ولد، فما يصنع بالحياة! فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلق له امرأته وولده، فأطلقهم له. ثم جاءه فقال: أهل بيت بالحجاز لا مال لهم، فما بقاؤهم على ذلك؟ فأتى ثابت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستطلق مال الزبير بن باطا، فأطلقه له.
ثم جاءه فأخبره فقال له: يا ثابت ما فعل الذي كان وجهه مرآة صينية تتراءى فيها عذارى حي (2)، كعب بن أسد؟ قال: قتل.
قال: فما فعل سيد الحاضر والبادي حيي بن أخطب؟ قال: قتل.
قال: فما فعل مقدمتنا إذا شددنا وحاميتنا إذا فررنا: عزال بن شموال (3)؟ قال:
قتل.
قال: فما فعل المجلسان؟ يعنى بني كعب بن قريظة وبنى عمرو بن قريظة. قال:
ذهبوا قتلوا.
قال: فإني أسألك يا ثابت بيدي عندك إلا ألحقتني بالقوم، فوالله ما في العيش بعد هؤلاء من خير، فما أنا بصابر لله فيلة (4) دلو ناضح حتى ألقى الأحبة.