قال ابن إسحاق: فبينا الناس على ذلك الماء وردت واردة الناس، ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار يقال له جهجاه بن مسعود يقود فرسه، فازدحم جهجاه وسنان بن وبر الجهني حليف بني عوف بن الخزرج على الماء فاقتتلا، فصرخ الجهني:
يا معشر الأنصار. وصرخ جهجاه: يا معشر المهاجرين. فغضب عبد الله بن أبي بن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم غلام حدث فقال: أوقد فعلوها؟ قد نافرونا وكاثرونا في بلادنا؟ والله ما أعدنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال الأول: " سمن كلبك يأكلك! " أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل. ثم أقبل على من حضره من قومه فقال: هذا ما فعلتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم، أما والله لو أمسكتم عنهم ما بأيديكم لتحولوا إلى غير داركم.
فسمع ذلك زيد بن أرقم فمشى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره الخبر، وعنده عمر بن الخطاب فقال: مر به عباد بن بشر فليقتله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فكيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، لا ولكن أذن بالرحيل. وذلك في ساعة لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتحل فيها.
فارتحل الناس.
وقد مشى عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن زيد بن أرقم بلغه ما سمع منه، فحلف بالله ما قلت ما قال ولا تكلمت به. وكان في قومه شريفا عظيما، فقال من حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأنصار من أصحابه:
يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قال الرجل. حدبا على ابن أبي ودفعا عنه.
فلما استقل رسول الله صلى الله عليه وسلم وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه وقال: يا رسول الله والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح