أصبحتم فاحملوا عليهم حملة رجل واحد، واكسروا أغماد سيوفكم، واجعلوا مواشيكم صفا ونساءكم صفا.
فلما أصبحوا اعتزل أبو سفيان وصفوان وحكيم بن حزام وراءهم ينظرون لمن تكون الدائرة، وصف الناس بعضهم لبعض، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة له شهباء، فاستقبل الصفوف فأمرهم وحضهم على القتال وبشرهم بالفتح - إن صبروا - فبينما هم كذلك إذ حمل المشركون على المسلمين حملة رجل واحد، فجال المسلمون جولة ثم ولوا مدبرين، فقال حارثة بن النعمان: لقد حزرت من بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدبر الناس فقلت: مائة رجل.
قالوا: ومر رجل من قريش بصفوان بن أمية فقال: أبشر بهزيمة محمد وأصحابه، فوالله لا يجتبرونها أبدا. فقال له صفوان: تبشرني بظهور الاعراب؟ فوالله لرب من قريش أحب إلى من رب من الاعراب. وغضب صفوان لذلك.
قال عروة: وبعث صفوان غلاما له فقال: اسمع لمن الشعار؟ فجاءه فقال: سمعتهم يقولون: يا بني عبد الرحمن يا بني عبد الله، يا بني عبيد الله. فقال: ظهر محمد. وكان ذلك شعارهم في الحرب.
قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما غشيه القتال قام في الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوه ويقول: " اللهم إني أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا " ونادى أصحابه وزمرهم (1): " يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرة على نبيكم " ويقال حرضهم فقال: " يا أنصار الله وأنصار رسوله، يا بني الخزرج يا أصحاب سورة البقرة " وأمر من أصحابه من ينادى بذلك.