أيضا فأضربه أخرى فلم تغن شيئا، فصاح وقام أهله. ثم جئت وغيرت صوتي كهيئة المغيث فإذا هو مستلق على ظهره فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ عليه حتى سمعت صوت العظم، ثم خرجت دهشا حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه، فانخلعت رجلي فعصبتها، ثم أتيت أصحابي أحجل. فقلت: انطلقوا فبشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لا أبرح حتى أسمع الناعية. فلما كان في وجه الصبح صعد الناعية فقال:
أنعى أبا رافع. قال: فقمت أمشي ما بي قلبة (1) فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبشرته.
تفرد به البخاري بهذه السياقات من بين أصحاب الكتب الستة. ثم قال: قال الزهري: قال أبي بن كعب: فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر فقال: أفلحت الوجوه. قالوا: أفلح وجهك يا رسول الله. قال: أفتكتموه؟ قالوا:
نعم. قال: ناولني السيف. فسله فقال: أجل هذا طعامه في ذباب السيف.
قلت: يحتمل أن عبد الله بن عتيك لما سقط من تلك الدرجة انفكت قدمه وانكسرت ساقه ووثئت (2) رجله، فلما عصبها استكن ما به لما هو فيه من الامر الباهر، ولما أراد المشي أعين على ذلك لما هو فيه من الجهاد النافع، ثم لما وصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستقرت نفسه ثاوره الوجع في رجله، فلما بسط رجله ومسح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب ما كان بها من بأس في الماضي ولم يبق بها وجع يتوقع حصوله في المستقبل، جمعا بين هذه الرواية والتي تقدمت. والله أعلم.
هذا، وقد ذكر موسى بن عقبة في مغازيه مثل سياق محمد بن إسحاق، وسمى الجماعة الذين ذهبوا إليه كما ذكره ابن إسحاق وإبراهيم وأبو عبيد.