فخرجت أنا وأبوه نشتد نحوه، فنجده قائما منتقعا لونه، فاعتنقه أبوه وقال: يا بنى ما شأنك؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، أضجعاني وشقا بطني، ثم استخرجا منه شيئا فطرحاه ثم رداه كما كان. فرجعنا به معنا، فقال أبوه: يا حليمة لقد خشيت أن يكون ابني قد أصيب فانطلقي بنا نرده إلى أهله قبل أن يظهر به ما نتخوف. قالت حليمة:
فاحتملناه فلم ترع أمه إلا به، فقدمنا به عليها فقالت: ما رد كما به ياظئر، فقد كنتما عليه حريصين؟ فقالا: لا والله، إلا أن الله قد أدى عنا وقضينا الذي علينا وقلنا نخشى الاتلاف والاحداث نرده إلى أهله. فقالت: ما ذاك بكما، فأصدقاني شأنكما. فلم تدعنا حتى أخبرناها خبره، فقالت: أخشيتما عليه الشيطان؟! كلا والله ما للشيطان عليه من سبيل، والله إنه لكائن لابني هذا شأن، ألا أخبركما خبره؟ قلنا: بلى. قالت: حملت به فما حملت حملا قط أخف منه (1)، فأريت في النوم حين حملت به كأنه خرج منى نور أضاءت له قصور الشام، ثم وقع حين ولدته وقوعا ما يقعه المولود، معتمدا على يديه رافعا رأسه إلى السماء، فدعاه عنكما.
وهذا الحديث قد روى من طرق أخر، وهو من الأحاديث المشهورة المتداولة بين أهل السير والمغازي.
وقال الواقدي: حدثني معاذ بن محمد، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس، قال: خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجدت البهم تقيل، فوجدته مع أخته فقالت: في هذا الحر؟ فقالت أخته: يا أمه ما وجد أخي حرا، رأيت غمامة تظل عليه، إذا وقف وقفت، وإذا سار سارت، حتى انتهى إلى هذا الموضع.
وقال ابن إسحاق: حدثني ثور بن يزيد، عن خالد بن معدان، عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم قالوا له: أخبرنا عن نفسك. قال: " نعم أنا دعوة أبى إبراهيم