على أتان لي قمراء كانت أذمت بالركب (1)، ومعي صبي لنا، وشارف لنا والله ما تبض (2) بقطرة، وما ننام لينا ذلك أجمع مع صبينا ذاك، ما نجد (3) في ثدي ما يغنيه ولا في شارفنا ما يغذيه، ولكنا كنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك فلقد أذمت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفا وعجفا.
فقدمنا مكة، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل إنه يتيم، تركناه قلنا: ماذا عسى أن تصنع إلينا أمه؟ إنما نرجو المعروف من أبى الولد، فأما أمه فماذا عسى أن تصنع إلينا! فوالله ما بقى من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري.
فلما لم نجد غيره وأجمعنا الانطلاق قلت لزوجي الحارث بن عبد العزى: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، لانطلقن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه.
فقال: لا عليك أن تفعلي، فعسى أن يجعل الله لنا فيه بركة.
فذهبت فأخذته، فوالله ما أخذته إلا أنى لم أجد غيره.
فما هو إلا أن أخذته فجئت به رحلي فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن، فشرب حتى روى وشرب أخوه حتى روى، وقام صاحبي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة.