رجل الذي بي، فقال: أمامك. وإذا شيخ كأن في خديه الأساريع (1)، وكأن الشعرى (2) توقد من جبينه، قد لاث على رأسه عمامة سوداء قد أبرز من ملائها جمة (3) فينانة كأنها سماسم (4). قال في بعض الروايات: تحته كرسي سماسم (4) وممن دونها نمرقة، بيده قضيب متخصر به، حوله مشايخ جلس نواكس الأذقان، ما منهم أحد يفيض بكلمة. وقد كان نمى إلى خبر من أخبار الشام أن النبي الأمي هذا أوان نجومه، فلما رأيته ظننته ذلك فقلت: السلام عليك يا رسول الله. فقال: مه مه، كلا وكأن قد، وليتني إياه. فقلت: من هذا الشيخ؟ فقالوا هذا أبو نضلة، هذا هاشم بن عبد مناف، فوليت وأنا أقول: هذا والله المجد لا مجد آل جفنة - يعنى ملوك عرب الشام من غسان كان يقال لهم آل جفنة -. وهذه الوظيفة التي حكاها عن هاشم هي الوفادة يعنى إطعام الحجيج زمن الموسم.
وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا محمد بن أحمد بن أبي يحيى، حدثنا سعيد بن عثمان، حدثنا على بن قتيبة الخراساني، حدثنا خالد بن الياس، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي الجهم، عن أبيه عن جده. قال سمعت أبا طالب يحدث عن عبد المطلب قال: بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني، ففزعت منها فزعا شديدا، فأتيت كاهنة قريش وعلي مطرف خز وجمتي تضرب منكبي، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير، وأنا يومئذ سيد قومي فقالت: ما بال سيدنا قد أتانا متغير اللون؟ هل رابه من حدثان الدهر شئ؟ فقلت لها: بلى!