وما زال شيث بالفضائل فاضلا * شريفا بريئا من ذميم المعائب وكلهم من نور آدم أقبسوا * وعن عوده أجنوا ثمار المناقب وكان رسول الله أكرم منجب * جرى في ظهور الطيبين المناجب مقابلة آباؤه أمهاته * مبرأة من فاضحات المثالب عليه سلام الله في كل شارق * ألاح لنا ضوءا وفى كل غارب هكذا أورد القصيدة الشيخ أبو عمر بن عبد البر وشيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في تهذيبه، من شعر الأستاذ أبى العباس عبد الله بن محمد الناشئ المعروف بابن شرشير.
أصله من الأنبار ورد بغداد ثم ارتحل إلى مصر، فأقام بها حتى مات سنة ثلاث وتسعين ومائتين، وكان متكلما معتزليا، يحكى عنه الشيخ أبو الحسن الأشعري في كتابه " المقالات " فيما يحكى عن المعتزلة.
وكان شاعرا مطبقا حتى أن من جملة اقتداره على الشعر كان يعاكس الشعراء في المعاني، فينظم في مخالفتهم ويبتكر مالا يطيقونه من المعاني البديعة والألفاظ البليغة، حتى نسبه بعضهم إلى التهوس والاختلاط.
وذكر الخطيب البغدادي أن له قصيدة على قافية واحدة قريبا من أربعة آلاف بيت ذكرها الناجم، وأرخ وفاته كما ذكرنا.
قلت: وهذه القصيدة تدل على فضيلته وبراعته وفصاحته وبلاغته وعلمه وفهمه وحفظه وحسن لفظه وإطلاعه واضطلاعه، واقتداره على نظم هذا النسب الشريف في سلك شعره وغوصه على هذه المعاني التي هي جواهر نفيسة من قاموس بحره. فرحمه الله وأثابه وأحسن مصيره وإيابه.