فصل قال البخاري في روايته المتقدمة: ثم فتر الوحي حتى حزن النبي صلى الله عليه وسلم فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكلما أوفى بذروة جبل لكي يلقى نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد إنك رسول الله حقا.
فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع.
فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك.
وفى الصحيحين من حديث عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، قال: سمعت أبا سلمة عبد الرحمن يحدث عن جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يحدث عن فترة الوحي قال: فبينما أنا أمشى سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء، فجثيت منه، فرقا حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت زملوني زملوني. فأنزل الله: " يا أيها المدثر قم فأنذر. وربك فكبر. وثيابك فطهر. والرجز فاهجر ".
قال: ثم حمى الوحي وتتابع.
فهذا كان أول ما نزل من القرآن بعد فترة الوحي لا مطلقا، ذاك قوله (1) " اقرأ باسم ربك الذي خلق ".
وقد ثبت عن جابر أن أول ما نزل " يا أيها المدثر " واللائق حمل كلامه ما أمكن على ما قلناه، فإن في سياق كلامه ما يدل على تقدم مجئ الملك الذي عرفه ثانيا بما عرفه