فقال صاحبي حين أصبحنا: يا حليمة والله إني لأراك قد أخذت نسمة مباركة، ألم ترى ما بتنا به الليلة من الخير والبركة حين أخذناه؟! فلم يزل الله عز وجل يزيدنا خيرا.
ثم خرجنا راجعين إلى بلادنا فوالله لقطعت أتاني بالركب حتى ما يتعلق بها حمار، حتى أن صواحبي ليقلن: ويلك يا بنت أبي ذؤيب! هذه أتانك التي خرجت عليها معنا؟
فأقول: نعم والله إنها لهي. فيقلن: والله إن لها لشأنا.
حتى قدمنا أرض بنى سعد، وما أعلم أرضا من أرض الله أجدب منها، فإن كانت غنمي لتسرح ثم تروح شباعا لبنا فنحلب ما شئنا، وما حوالينا أو حولنا أحد تبض له شاة بقطرة لبن، وإن أغنامهم لتروح جياعا، حتى إنهم ليقولون لرعاتهم أو لرعيانهم:
ويحكم انظروا حيث تسرح غنم بنت أبي ذؤيب فأسرحوا معهم. فيسرحون مع غنمي حيث تسرح، فتروح أغنامهم جياعا ما فيها قطرة لبن، وتروح أغنامي شباعا لبنا نحلب ما شئنا.
فلم يزل الله يرينا البركة نتعرفها.
حتى بلغ سنتين فكان يشب شبابا لا تشبه الغلمان، فوالله ما بلغ السنتين حتى كان غلاما جفرا (1) فقدمنا به على أمه ونحن أضن شئ به مما رأينا فيه من البركة، فلما رأته أمه، قلت لها: دعينا نرجع بابننا هذه السنة الأخرى، فإنا نخشى عليه وباء مكة.
فوالله ما زلنا بها حتى قالت: نعم. فسرحته معنا فأقمنا به شهرين أو ثلاثة.
فبينما هو خلف بيوتنا مع أخ له من الرضاعة في بهم لنا جاء أخوه ذلك يشتد، فقال: ذاك أخي القرشي جاءه رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاه فشقا بطنه.