وجه محمد صلى الله عليه وسلم، حين نظرت إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمه جهله، ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
قال: فكنت أتلطف له لان أخالطه فأعرف حلمه وجهله، فذكر قصة إسلافه للنبي صلى الله عليه وسلم مالا في ثمرة. قال: فلما حل الاجل أتيته فأخذت بمجامع قميصه وردائه - وهو في جنازة مع أصحابه - ونظرت إليه بوجه غليظ، وقلت: يا محمد ألا تقضيني حقي؟ فوالله ما علمتكم بنى عبد المطلب لمطل.
قال: فنظر إلى عمر وعيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير. ثم قال: يا عدو الله أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع، وتفعل ما أرى؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر لومه لضربت بسيفي رأسك.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة وتبسم. ثم قال:
" أنا وهو كنا أحوج إلى غير هذا منك يا عمر، أن تأمرني بحسن الأداء، وتأمره بحسن التباعة، اذهب به يا عمر فاقضه حقه. وزد عشرين صاعا من تمر ".
فأسلم زيد بن سعية رضي الله عنه. وشهد بقية المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفى عام تبوك رحمه الله.
ثم ذكر ابن إسحاق رحمه الله: إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه وأرضاه، فقال:
حدثني عاصم بن عمر بن قتادة الأنصاري، عن محمود بن لبيد، عن عبد الله بن عباس، قال: حدثني سلمان الفارسي - من فيه - قال:
كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان، من أهل قرية يقال لها جى، وكان أبى دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه، فلم يزل حبه إياي حتى حبسني في بيته كما تحبس الجارية.