لان إجازة الحجيج كانت إلى صوفة، وهم بنو الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن الياس بن مضر، فكان الناس لا يرمون الجمار حتى يرموا، ولا ينفرون من منى حتى ينفروا، فلم يزل كذلك فيهم حتى انقرضوا.
فورثهم ذلك بالقعدد (1) بنو سعد بن زيد مناة بن تميم، فكان أولهم صفوان بن الحارث بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم، وكان ذلك في بيته حتى قام على آخرهم الاسلام، وهو كرب بن صفوان.
وكانت الإجازة من المزدلفة في عدوان، حتى قام الاسلام على آخرهم وهو أبو سيارة عميلة بن الأعزل، وقيل اسمه العاص واسم الأعزل خالد، وكان يجيز بالناس على أتان له عوراء، مكث يدفع عليها في الموقف أربعين سنة، وهو أول من جعل الدية مائة، وأول من كان يقول: أشرق ثبير كيما نغير. حكاه السهيلي.
وكان عامر بن الظرب العدواني لا يكون بين العرب نائرة إلا تحاكموا إليه فيرضون بما يقضى به. فتحاكموا إليه مرة في ميراث خنثى، فبات ليلته ساهرا يتروى ماذا يحكم به، فرأته جارية له كانت ترعى عليه غنمه اسمها سخيلة، فقالت له: مالك لا أبالك الليلة ساهرا؟ فذكر لها ما هو مفكر فيه، وقال لعلها يكون عندها في ذلك شئ فقالت: أتبع القضاء المبال. فقال: فرجتها والله يا سخيلة. وحكم بذلك.
قال السهيلي: وهذا الحكم من باب الاستدلال بالامارات والعلامات، وله أصل في الشرع، قال الله تعالى: (وجاءوا على قميصه بدم كذب (2)) حيث لا أثر لأنياب الذئب فيه، وقال تعالى: (إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين (3)) وفي الحديث:
" أنظروها، فإن جاءت به أورق جعدا جماليا فهو للذي رميت به ".