قال: فأقام قثم بن العباس بمكة، وبلغ ذلك عليا رضي الله عنه وهو يومئذ بالكوفة، فقام في الناس خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (1): أيها الناس! قد بلغني أن معاوية قد وجه إلى الموسم بجند من أهل الشام الغلف (2) القلوب، الصم الأسماع، الكمه الأبصار، الذين يلبسون (3) الحق بالباطل، ويطيعون المخلوق في معصية الخالق، أولياء الشيطان الرجيم، ووزراء الجبابرة المعتدين، فسارعوا رحمكم الله إلى جهادهم مع التقي الأمين معقل بن قيس، واحتسبوا في ذلك الأجر وصالح الذكر، فإنه لا يفوز بالخير إلا عامله. ولا يجزى جزاء السوء إلا فاعله، ولن يصلح الله عمل المفسدين. قال: فانتدب له يومئذ ألف وسبعمائة رجل من فرسان العرب، وفيهم يومئذ الريان بن ضمرة بن هودة الحنفي (4) وأبو الطفيل عامر بن واثلة الكناني ومن أشبههم من الناس.
قال: فخرج (5) القوم من الكوفة في أول يوم من ذي الحجة، وقد فات الوقت وقدم يزيد بن شجرة صاحب معاوية إلى الحرم قبل التروية بيومين، فنادى في الناس: أيها الناس! أنتم آمنون، فإننا لم نقدم ههنا لقتال، وإنما قدمنا للحج، فالناس كلهم في أمان إلا من قاتلنا ونازعنا وعرض في سلطاننا.
قال: واتقى يزيد بن شجرة أن يكون بين الناس قتال، فقال لأصحابه: انظروا أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم! فقيل له: أبو سعيد الخدري، فقال: علي به، فأتي به إلى يزيد بن شجرة، فسلم وجلس، فقال له يزيد: أبا سعيد! يرحمك الله إني إنما وجهت إليكم لأجمع (6) ولا أفرق، ولو شاء أن أفعل لفعلت، لأنه ما عند أميركم امتناع (7) ولا عند أهل البلد أيضا، ولو شئت أن آخذ أميركم أسيرا حتى أمضي به إلى الشام لفعلت، ولكني أكره الإلحاد في الحرم، فقولوا لأميركم أن