وأشرفت الأنفس على اللقاء (1)، وأصبح كل امرئ منكم وهنا يبكي على قتله (2)، فاتقوا الله واحقنوا دماءنا ودماءكم.
قال: وبلغ ذلك عليا، فقال: أما أنا قد أخبرتكم الأمر قبل أن يكون، وقد جهدنا أن يكون الحكم غير أبي موسى، فأبيتم علي وجئتموني به مبرنسا (3) وقلتم: قد رضينا به فاتبعت رأيكم، والآن فلا سبيل إلى حرب القوم إلى انقضاء المدة التي كانت بيننا وبينهم.
قال: فعندها رجعت أهل العراق إلى عراقهم وهم عازمون على معاودة الحرب إذا انقضت المدة، ورجع أهل الشام إلى شامهم وهم على ذلك من أهل العراق.
وصار أبو موسى الأشعري إلى مكة، فأقام بها حياء من علي بن أبي طالب.
ذكر ما سئل أمير المؤمنين من القضاء والقدر فيما جرى عليهم من الأمور قال فوثب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه رجل من أهل الكوفة، فقال (4): يا أمير المؤمنين! أخبرني عن مسيرنا إلى أهل الشام وقتالنا إياهم أكان بقضاء من الله وقدر؟ فقال علي: ويحك يا شيخ! والله خالق الحبة وبارىء النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلا بقضاء من الله وقدر. فقال الرجل:
فعند الله أحتسب غناي يا أمير المؤمنين! فقال علي: ولم ذلك؟ فقال: أني ما أرى لي ههنا من الأجر شيئا. فقال علي رضي الله عنه: بلى يا شيخ! لقد أعظم الله لكم الأجر على ما سيركم وأنتم سائرون، وعلى منصرفكم وأنتم منصرفون، وعلى مقامكم وأنتم مقيمون. ثم قال علي رضي الله عنه: ويحك يا شيخ! لعلك تظن أن ذلك إنما كان قضاء لازما وقدرا حتما (5)؟ قال: أظن يا أمير المؤمنين! فقال علي رضي الله عنه: ليس ذاك كما ظننت، إنه لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب،