إصلاحهم وبقاءهم، وأكره حربهم وقتالهم، فاحفظ فيهم وصيتي وسر على بركة الله وعونه.
قال: فقال يزيد بن شجرة: اللهم! إنك تعلم أني لست أعظم مجاهدة من سعى على خليفتك عثمان بن عفان وهتك حرمته، ولا منابذة من بغى عليه، اللهم!
فإن كنت قضيت بين هذا الجيش وبين أهل حرمك حربا فاكفني ذلك.
قال: وسار يزيد بن شجرة يريد مكة، وبمكة يومئذ قثم بن العباس بن عبد المطلب من قبل علي بن أبي طالب، فقام في أهل مكة خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (1): أيها الناس! إنه قد أظلكم جيش من ظلمة أهل الشام الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون، يريدون الإلحاد في حرم الله، فتسالمون أم تحاربون؟ قال: فسكت الناس ولم يجبه أحد منهم بشيء، فقال قثم بن العباس:
إنكم قد أعلمتموني بما في أنفسكم، فأنا خارج عنكم إلى بعض هذه الشعاب فأكون هنالك إلى أن يقضي الله بما يحب ويرضى. قال: فقال له شيبة بن عثمان العبدري (2) - من بني عبد الدار بن قصي: يا هذا! أنت الأمير ونحن الرعية سامعون لك مطيعون، فإن قاتلت قاتلنا معك، وإن كففت كففنا معك (3). قال: فقال قثم بن العباس: هيهات يا أهل مكة! المغرور من غررتموه، إن الجنود لا تهزم بالوعد، ولست أرى معك أحدا يدفع ولا يمنع، فأعتزل عنكم فأكون في بعض هذه الشعاب وأكتب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فإن جاءني من المدد ما أقوى به عليهم ناهضتهم، وإن تكن الأخرى لم أقاتل وصبرت لأمر الله عز وجل. فقال له أبو سعيد الخدري (4): أيها الأمير! إن للحرم حرمة عظيمة، والقوم إن قدموا لم يجعلوا بالقتال، فأقم ولا تبرح من مكة، فإذا وافوك ورأيت قوة عليهم فاعمل برأيك، وإن لم ترقوه تنحيت من بين أيديهم إلى بعض هذه الشعاب، فتكون قد أعذرت وقضيت ما عليك.