فلينتدب له منكم أهل الجنة والجهاد وطلاب الأجر والثواب، فإن ترك المجاهدة المستحق للجهاد نقص في الدين مع الذل والصغار. قال: فلم يجبه أحد منهم بشيء، فقال لهم علي: ما لكم لا تردون جوابا ولا ترجعون قولا؟ أدعوكم إلى جهاد عدوكم سرا وجهرا فلم يزدكم دعائي إلا فرار، أتتناشدون الأشعار وتتسلون عن الأسفار؟ تربت يداكم لقد نسيتم الحرب والاستعداد لها فأصبحت قلوبكم فارغة عن ذكرها. قال: فلم يجبه أحد منهم بشيء، فقال: أو ليس من العجب أن معاوية يأمر فيطاع ويدعو فيجاب، وآمركم فتخالفون وأدعوكم فلا تجيبون، ذهب والله أولو النهى والفضل والتقى الذين كانوا (1) يقولون فيصدقون ويدعون فيجيبون ويلقون عدوهم فيصبرون، وبقيت في حثالة قوم لا ينتفعون بموعظة ولا يفكرون في عاقبة، لقد هممت أن أشخص عنكم فلا أطلب نصركم ما اختلف الجديدان (2)، وإني لعالم بما يصلحكم ويقيم أودكم وكأني بكم وقد ولاكم من بعدي من يحرمكم عطاءكم ويسومكم سوء العذاب، والله المستعان وعليه التكلان. فلما فرغ علي رضي الله عنه ونظر أنه ليس يجيبه أحد انصرف إلى منزله.
خطبة ثانية قال: فلما كان من الغد عاد إلى المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (3):
أيها الناس! والله لقد خشيت أن (4) يدال هؤلاء القوم منكم لمعصيتكم إمامكم في الحق وطاعتهم إمامهم في الباطل، وبأدائهم الأمانة وخيانتكم، واجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، استعملت فلانا ففعل ذلك، ولو ائتمنت أحدكم على قدح (5) لخشيت أن يذهب بعلاقته، أيها الناس! استعدوا للجهاد في عدوكم الذي قد شن عليكم الغارات في كل وجه ليلا ونهارا، وذروا التثاقل والصمم (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون) (6).
قال: فما أجابه أحد منهم بشيء، فقال علي كرم الله وجهه: إني قد كرهتهم