فجعل يقول ويحتج ويتكلم بما يريد، وابن عباس ساكت لا يكلمه بشيء، حتى إذا فرغ من كلامه أقبل عليه ابن عباس فقال: إني أريد أن أضرب لك مثلا، فإن كنت عاقلا فافهم. فقال الخارجي: قل ما بدا لك.
كلام ابن عباس للخارجي وما كان من رده عليه فقال له ابن عباس: خبرني عن دار الإسلام هذه هل تعلم لمن هي ومن بناها، فقال الخارجي: نعم، هي لله عز وجل وهو الذي بناها على أيدي أنبيائه وأهل طاعته، ثم أمر من بعثه إليها من الأنبياء أن يأمروا الأمم أن لا تعبدوا إلا إياه، فآمن قوم وكفر قوم، وآخر من بعثه إليها من الأنبياء محمد صلى الله عليه وآله وسلم. فقال ابن عباس:
صدقت، ولكن خبرني عن محمد حين بعث إلى دار الإسلام فبناها كما بناها غيره من الأنبياء هل أحكم عمارتها وبين حدودها، وأوقف الأمة على سبلها وعملها وشرائع أحكامها ومعالم دينها؟ قال الخارجي: نعم قد فعل محمد ذلك. قال ابن عباس:
فخبرني الآن عن محمد هل بقي فيها أو رحل عنها؟ قال الخارجي: بل رحل عنها.
قال ابن عباس: فخبرني رحل عنها وهي كاملة العمارة بينة الحدود أم رحل عنها وهي خربة لا عمران فيها؟ قال الخارجي: بل رحل عنها وهي كاملة العمارة بينة الحدود قائمة المنار. قال ابن عباس: صدقت، الآن فخبرني هل كان لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم أحد يقوم بعمارة هذه الدار من بعده أم لا؟ قال الخارجي: بلى، قد كان له صحابة وأهل بيت ووصي وذرية يقومون بعمارة هذه الدار من بعده. قال ابن عباس: ففعلوا أم لم يفعلوا؟ قال الخارجي: بلى، قد فعلوا وعمروا هذه الدار من بعده. قال ابن عباس: فخبرني الآن عن هذه الدار من بعده هل هي اليوم على ما تركها محمد صلى الله عليه وآله وسلم من كمال عمارتها وقوام حدودها أم هي خربة عاطلة الحدود؟ قال الخارجي: بل هي عاطلة الحدود خربة. قال ابن عباس: أفذريته وليت هذه الخراب أم أمته؟ قال:
بل أمته. قال: قال ابن عباس: أفأنت من الأمة أو من الذرية؟ قال: أنا من الأمة.
قال ابن عباس: يا عتاب! فخبرني الآن عنك كيف ترجو النجاة من النار وأنت من أمة قد أخربت دار الله ودار رسوله وعطلت حدودها؟ فقال الخارجي: إنا لله وإنا إليه راجعون، ويحك يا بن عباس! احتلت والله حتى أوقعتني في أمر عظيم وألزمتني الحجة حتى جعلتني ممن أخرب دار الله، ولكن ويحك يا بن عباس! فكيف الحيلة في التلخيص مما أنا فيه؟ قال ابن عباس: الحيلة في ذلك أن تسعى في عمارة ما