شيء من هذا فأخفه عن أهل الشام، فقال: أفعل ذلك إن شاء الله.
قال: ثم رجع مصقلة وأقبل على الرسول فقال له: يا أخا بني بكر! إني إنما هربت بنفسي من علي خوفا منه، ولا والله ما ينطلق لساني بعيبه (1) ولا ذمه ولا قلت قط فيه حرفا أعلم أنه يسوءه ذلك، وقد أتيتني بهذا الكتاب فخذ الجواب إلى قومك.
فقال الرسول: أفعل ذلك واكتب ما بدا لك.
ذكر كتاب مصقلة بن هبيرة إلى قومه أما بعد، فقد جاءني كتابكم فقرأته وفهمته، فأخبركم أنه من لم ينفعه القليل يضره الأكثر، وإن الذي قطعني من علي وأمالني إلى معاوية ليس يخفى عليكم، وقد علمت أني لو رجعت إليكم لكان ذنبي مغفورا وثقلي محمولا، ولكني أذنبت إلى علي ذنبا وصحبت معاوية، فلو رجعت إلى علي لأبديت غيا واحتملت عارا، وكنت بين لومتين أولها (2) خيانة وآخرها غدر، ولكني قلت أقيم بالشام، فإن غلب معاوية واستوى له هذا الأمر فداري العراق، وإن غلب علي رضي الله عنه فداري الروم، وفراقي عليا على بعض العذر أحب إلي من فراق معاوية ولا عذر لي، والقلب مني إليكم طائر - والسلام -. ثم كتب في أسفل الكتاب بهذه الأبيات:
أيا راكب الأدماء أسلم خفها * وغاربها حتى تزور أرض بابل ألكني إلى أهل العراق رسالة * وخص بها حييت بكر بن وائل وعم بها عليا ربيعة إنني * تركت عليا خير حاف وناعل على عمد عين غير عائب ذنبه * ولا سامع فيه مقالة قائل ولا طالبا بالشام أدنى معيشة * وما الجوع من جوع العراق بقاتل فكيف بقائي بعد سبعين حجة * وما إذا عسى غير الليالي القلائل أقول إذا أهدى له الله نعمة * بدا الدهر زده من مزيد الفضائل ولكنني كنت امرءا من ثقاته * أقدم في الشورى وأهل الوسائل فأذنبت ذنبا لم يكن ليقله * بعلمي وقلت الليث لا شك آجلي ولم أدر ما قدر العقوبة عنده * سوى القتل قد أيقنت ليس قاتلي وأفردت محزونا وخليت مفردا * وقد خمدت ناري ورثت حبائلي