المسلمين، ومن مال عنه برأسه في بيعته ملنا عليه بسيوفنا، هكذا وجدنا بأنفسنا دون نفسه.
قال: فسر معاوية بما سمع من كلام أهل الشام ونشط لذلك، ثم استوى جالسا وأمر بجميع من على الباب من الناس بالدخول عليه، فدخلوا حتى غصت الدار بهم، فأقبل عليهم معاوية بوجهه ثم قال: أيها الناس! إنكم قد علمتم أن كل شيء في هذه الدنيا فإلى زوال وقد حضرني من القضاء المحتوم ما ترون، فسلوني من تحبون أن أولي عليكم! فقالوا بكلمة واحدة: إنا قد رضينا بابنك يزيد، فوله عهدك فهو الرضى لنا، فقال معاوية: إني قد سمعت إذا كلامكم غير أني قادم على رب رحيم لا يتعاظمه ذنب أو يغفره، وإنه يسألني عن الصغير والكبير، فسلوني ما تحبون أن أولي عليكم! قال: فضج الناس بأجمعهم وقالوا: نريد أن تولي علينا يزيد، فنعم الخلف والمستخلف.
قال: فعندها قال معاوية للضحاك: بايع ليزيد، فبايع الضحاك وبايع مسلم بن عقبة، وأمر الناس بالبيعة حتى بايع الناس أجمعون. ثم خرجوا وأمر معاوية لابنه يزيد أن يلبس ثياب الخلافة ويخرج إلى الناس فيصعد المنبر ويخطب.
قال: فخرج يزيد وعلى رأسه عمامة معاوية ومعه سيفه وخاتمه وقد لبس قميص عثمان الذي قتل عثمان فيه ملطخا بالدم حتى صعد المنبر، فلم يزل يخطب ويتكلم إلى أن انتصف النهار، ثم نزل عن المنبر وقد بايعه الصغير والكبير، فدخل على أبيه معاوية ومعاوية في غشيانه وكربه لا يعقل يومه ذلك شيئا من أمره حتى مضى من الليل ما مضى، فلما أفاق من غشوته وفتح عينيه ونظر إلى ولده يزيد عند رأسه فقال له: ما صنعت؟ فقال: يا أمير المؤمنين! قد بايعني الناس ودخلوا في طاعتي فرحين مسرورين. قال: فدعى معاوية بالضحاك بن قيس ومسلم بن عقبة فقال لهما:
أخرجا ما في وسادتي! فأخرجا كتابا كتب فيه معاوية بخطه قبل ذلك.
ذكر الكتاب والعهد إلى يزيد بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهده معاوية بن أبي سفيان أمير المؤمنين إلى ابنه يزيد، انه قد بايعه وعهد إليه، وجعل له الخلافة من بعده، وأمره بالرعية والقيام بهم والإحسان إليهم، وقد سماه " أمير المؤمنين "، وأمره أن يسير بسيرة أهل العدل