ثم سار من المدينة يريد مكة، وبها يومئذ قثم بن العباس (1)، فخرج عنها هاربا خوفا على نفسه، حتى إذا أشرف بسر بن [أبي] أرطاة على مكة خرج إليه أشراف أهلها، فلما نظر إليهم انتهرهم وشتمهم، ثم قال: أما والله لو لا خلة واحدة أوصاني بها أمير المؤمنين معاوية لما تركت منكم أحدا يمشي على وجه الأرض.
قال: فقال له أشراف مكة: أيها الأمير! فإنا نذكرك الله في بيضتك وعشيرتك وأهل حرم الله وحرم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: فسكت بسر ولم يتكلم بشيء.
وسار حتى جاز بئر ميمون (2) جعل الناس يهربون بين يديه خوفا منهم على أنفسهم، قال: ونظر بسر إلى غلامين من أحسن الغلمان هيئة وجمالا وهما هاربان فقال: علي بهما! فأتي بهما حتى وقفا بين يديه، فقال لهما: من أنتما؟ فقال أحدهما: أنا قثم وهذا أخي ابنا عبيد الله (3) بن عباس بن عبد المطلب، فقال بسر:
الله أكبر! أنتما ممن أتقرب بكما وبسفك دمائكما إلى الله تعالى! قال: ثم أمر بهما فذبحا ذبحا (4)، وبلغ ذلك أمهما (5) فجزعت عليهما طويلا ثم أنشأت تقول (6):
ها من أحس بابني اللذين هما * قلبي وسمعي فقلبي اليوم مختطف ها من أحس بابني اللذين هما * كالدرتين تشظى عنهما الصدف (7)