على مقالتي هذه، فو الله إن فعل بي الحسين كل ما يسوءني لاحتملته أبدا ولم يكن الله يسألني عن دمه، أفهمت عني ما أوصيتك به يا يزيد (1)؟ فقال: فهمت يا أمير المؤمنين. ثم قال معاوية: انظر في أهل الحجاز فهم أصلك وفرعك، فأكرم من قدم عليك منهم ومن (2) غاب عنك فلا تجفهم ولا تعقهم، وانظر أهل العراق فإنهم لا يحبونك أبدا ولا ينصحونك ولكن دارهم مهما أمكنك واستطعت، وإن سألوك على كل يوم أن تعزل عنهم عاملا فافعل، فإن عزل عامل واحد هو أيسر وأخف من أن يشهر عليك مائة ألف سيف، وانظر يا بني أهل الشام فإنهم بطانتك وظهارتك وقد بلوتهم واختبرتهم فهم صبر عند اللقاء حماة في الوغى، فإن رابك أمر من عدو يخرج عليك فانتصر بهم، فإذا أصبت منهم حاجتك فارددهم (3) إلى بلادهم يكونوا بها إلى وقت الحاجة إليهم.
قال: ثم تنفس معاوية الصعداء وغشي عليه طويلا، فلما أفاق قال: آوه آوه (جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا) (4). ثم جعل يقول:
إن تناقش يكن نقاشك يا رب * عذابا لا طوق لي بالعذاب أو تجاوز فأنت رب رحيم (5) * عن مسيء ذنوبه كالتراب قال: ثم التفت إلى أهل بيته وقرابته وبني عمه فقال: اتقوا الله حق تقاته، فإن تقوى الله جنة حصينة، وويل لمن لم يتق الله! ويخاف عذابه وأليم عقابه. ثم قال:
اعلموا أني كنت بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم وهو يقلم أظفاره فأخذت من قلامته فجعلتها في قارورة فهي عندي، وعندي أيضا شيء من شعره، إذ أنا مت وغسلتموني وكفنتموني فقطعوا تلك القلامة فاجعلوها في عيني، واجعلوا الشعر في