إلى العبادة ورضي بالوحدة، فترك الدنيا وتخلى منها فهو لا يأخذ منها شيئا، وإنما تجارته من هذه الدنيا كتجارة أبيه عمر بن الخطاب، فأقرئه مني السلام وتعاهده بالعطاء الموفر أفضل تعاهد. وأما عبد الله بن الزبير فما أخوفني أنك تلقى منه عتبا!
فإنه صاحب خلل في القول وزلل في الرأي وضعف في النظر، مفرط في الأمور مقصر في الحقوق، وإنه سيحثو (1) لك كما يحثو الأسد في عرينه ويراوغك رواغ (2) الثعلب، فإذا (3) أمكنه منك فرصة لعب بك كيف شاء، فكن له يا بني كذلك، واجزه صاعا بصاع، واحذه حذو النعل إلا أن يدخل لك في الصلح والبيعة وبتوبة فأقمه على ما يريد. وأما الحسين بن علي فأوه أوه يا يزيد! ماذا أقول لك فيه!
فاحذر أن لا يتعرض لك ومد له حبلا طويلا وذره يضرب في الأرض حيث شاء ولا تؤذه، ولكن ارعد له وابرق، وإياك والمكاشفة له في محاربة سل سيف أو محاربة طعن رمح، ثم أعطه ووقره وبجله، فإن حال أحد من أهل بيته فوسع عليهم وأرضهم فإنهم أهل بيت لا يرضيهم إلا الرضى، ولا يسعهم إلا المنزلة الرفيعة، وإياك يا بني أن تلقى الله بدمه فتكون من الهالكين، فإن ابن عباس حدثني فقال: إني حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في السياق وقد ضم الحسين بن علي إلى صدره وهو يقول: هذا من أطائب أرومتي وأنوار عترتي وخيار ذريتي، لا بارك الله فيمن لا يحفظه بعدي!
قال ابن عباس: ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ساعة ثم أفاق وقال: يا حسين! إن لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصيما لمن قتلك يوم القيامة. يا بني! هذا حديث ابن عباس، وأنا أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: أتاني جبريل يوما فخبرني وقال: يا محمد! إن أمتك ستقتل ابنك حسينا وقاتله لعين هذه الأمة، ولقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا بني قاتل الحسين مرارا، فانظر لنفسك ثم انظر أن لا يتعرض له بأذية، فحقه والله يا بني عظيم، ولقد رأيتني كيف كنت أحتمله في حياتي وأضع له رقبتي وهو يواجهني بالكلام الذي يمضني ويؤلم قلبي، فلا أجيبه ولا أقدر له على حيلة، فإنه بقية أهل الأرض في يومه هذا، وقد أعذر من أنذر.
قال: ثم أقبل [على] الضحاك ومسلم بن عقبة فقال لهما معاوية: أشهدا