الحفظ، ولقد وطأت لك يا بني البلاد (1)، وذللت لك رقاب (2) العرب الصعاب، وأقمت لك المنار وسهلت لك السبل، وجمعت لك اللجين والعقيان، ومهدت لك الملك من بعدي تمهيدا، فعليك يا بني من الأمور ما قرب مأخذه وسهل مطلبه، وذر عنك ما اعتاص عليك، واعلم يا بني أن سياسة الخلافة لا تتم لك إلا بثلاث:
بجأش ربيط، وكف أذى، وخلق رحيب، وثلاث أخر: علم ظاهر، وخلق طاهر، ووجه طلق، ثم تردف ذلك بعشر أخر: بالصبر، والأناة، والتودد، والوقار، والسكينة، والمروءة الظاهرة، والشجاعة، والسخاء، والاحتمال للرعية بما تحب وتكره، ولقد علمت يا بني أني كنت في أمر الخلافة خائفا شبعا يشهى شهوانا أصبح عليها جزعا وأمسى هلعا، حتى أعطاني الناس ثمرة قلوبهم وبادروا إلى طاعتي، فادخل يا بني من هذه الدنيا في حلالها واخرج من حرامها، وأنصف الرعية واقسم فيئهم فيهم بالسوية، واعلم يا بني أني أخاف عليك من هذه الأمة أن تنازعك في هذا الأمر الذي قد رفعت لك قواعده، وخصوصا أربعة نفر من قريش، منهم عبد الرحمن بن أبي بكر (3) وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وشبيه أبيه الحسين بن علي، فأما عبد الرحمن بن أبي بكر فإنه إذا صنع أصحابه شيئا صنع مثلهم وإن لم يصنعوا أمسك، وهو رجل همه النساء (4) ولذة الدنيا، فذره يا بني وما يريد ولا تأخذ عليه في شيء من أمره فلقد علمت ما لأبيه من الفضل على هذه الأمة وقد يرعى ذمام الوالد في ولده. وأما عبد الله بن عمر فإنه (5) رجل صدق قد توحش من الناس وآنس