والإنصاف، وأن يعاقب على الجرم ويجازي على الإحسان، وأن يحفظ هذا الحي من قريش خاصة، وأن يبعد قاتلي الأحبة، وأن يقدم بني أمية وآل عبد شمس على بني هاشم، وأن يقدم آل المظلوم المقتول أمير المؤمنين عثمان بن عفان على آل أبي تراب وذريته، فمن قرىء عليه هذا الكتاب وقبله حق قبوله وبادر إلى طاعة أميره يزيد بن معاوية فمرحبا به وأهلا، ومن تأبى عليه وامتنع فضرب الرقاب أبدا حتى برجع الحق إلى أهله - والسلام على من قرىء عليه وقبل كتابي هذا -.
قال: ثم طوى الكتاب وختمه ودفعه إلى الضحاك بن قيس وقال: انظر إذا أصبحت أن تصعد المنبر وتقرأ هذا الكتاب على الصغير والكبير وتسمع مقالهم.
فقال الضحاك: إني فاعل ذلك غدا إن شاء الله.
قال: ثم أقبل معاوية على يزيد فقال: يا بني! خبرني الآن ماذا أنت صانع بهذه الأمة! أتسير فيهم بسيرة أبي بكر الصديق الذي قاتل أهل الردة وقاتل في سبيل الله حتى مضى والناس عنه راضون؟ فقال: يا أمير المؤمنين! إني لا أطيق أن أسير بسيرة أبي بكر الصديق، لكني آخذ الرعية بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم. قال: يا بني! أتسير فيهم بسيرة عمر بن الخطاب الذي مصر الأمصار وفتح الديار وجند الأجناد وفرض الفروض ودون الدواوين وجبى الفيء وجاهد في سبيل الله حتى مضى والناس عنه راضون؟ فقال يزيد: لا يتهيأ لي أن أصنع كما صنع عمر، ولكني آخذ الناس بكتاب الله والسنة. فقال معاوية: يا بني! أتسير فيهم بسيرة ابن عمك عثمان بن عفان الذي أكلها في حياته وورثها بعد مماته واستعمل أقاربه؟ فقال يزيد: قد خبرتك يا أمير المؤمنين أن الكتاب بيني وبين هذه الأمة، به أطالبهم وعليه أقاتلهم.
قال: فتنفس معاوية الصعداء، وقال: إني من أجلك آثرت الدنيا على الآخرة ودفعت حق علي بن أبي طالب وحملت الوزر على ظهري، وإني لخائف أن لا تقبل وصيتي فتقتل خيار قومك ثم تعدو على حرمة ربك فتقتلهم بغير الحق ثم يأتيك اليوم بغتة فلا دنيا تصيب ولا آخرة تحب، يا بني! إني جعلت هذا مطمعا لك ولولدك من بعدك وإني موصيك بوصية فاقبلها فإنك تحمد عاقبتها! كن حازما صارما، انظر إن تأتك نائبة تثب وثوب الشهم البطل، ولا تجبن جبن الضعيف الوكل، فإني قد كفيتك الجد الترحال (1)، وجوامع الكلام والمنطق ونهاية البلاغة، ودفع المؤنة وسهولة