أساسا لنفسك، والزم ما كان عليه السلف الصالح من أخيار المسلمين، ولا يكن الأمر إلا بشورى بينهم، فإن الإسلام يرد على موارده، فإن أبيت ذلك وقد مللت (1) هذا الأمر فاعتزل وهات ابنك حتى نبايعه، واعلم يا معاوية أن خلافة الله في أرضه وخلقه وخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أمته عظيمة، وأن الله تبارك وتعالى عنهما مسائلك، والذي يحاجك في القيامة غدا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فانظر لنفسك يا معاوية قبل أن ينظر لها سواك. فقال معاوية: يا هذا (2)! أمسك عليك لسانك واحذر أهل الشام، فإذا خلوت بي فقل ما أحببت فإني محتمل لك.
قال: فانصرف عبد الله بن الزبير إلى منزله، وأقام معاوية في مكة أياما، ثم أمر لقريش بجوائز ولم يأمر لبني هاشم بضيء، فكلمه ابن عباس في ذلك (3) وقال:
إنك قد أعطيت بطون قريش الأموال ولم تعط بني هاشم فلم ذلك يا معاوية؟ فقال معاوية: لأن صاحبكم الحسين بن علي أبى علي أن يبايع يزيد، فقال ابن عباس:
إنه قد أبى غير الحسين فأعطيته فقال معاوية: صدقت يا بن العباس! ولستم عندي كغيركم، فقال ابن عباس: والله لئن لم تفعل وترض بني هاشم لألحقن بساحل من سواحل البحر ثم لأنطقن بما تعلم ولأتركن الناس عليك خوارج. قال: فتبسم معاوية وقال: بل يعطون ويكرمون ويزادون أبا محمد! قال: ثم أمر معاوية لبني هاشم بجوائز سنية، فكل قبل جائزته إلا الحسين بن علي، فإنه لم يقبل من ذلك شيئا.
حتى إذا أراد معاوية الخروج عن مكة أمر بالمسير، فقرب من الكعبة ثم أرسل إلى الحسين وابن عمر وابن أبي بكر وابن الزبير فأحضرهم إلى مجلسه، ثم أقبل عليهم فقال: إنكم قد علمتم نظري لكم وصلتي أرحامكم، ويزيد أخوكم وابن عمكم، وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة وتكونوا بعد ذلك أنتم الذين تأمرون وتنهون (4). فقال له ابن الزبير: يا معاوية! إنا نخيرك خصالا ثلاثا (5) فاختر منها