يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان من مقالتي ومقالته ثم إني رحلت عنه فلما قربت فرسي وركبته سمعته يقول: إن أتيتنا - فعضض على الأنامل (1)، قال قرة بن هبيرة: يا هذا!
فإن كان هذا ذكرت فكم إلى كم هذا التحريض، قال: فسكت عمرو بن العاص وتكلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: سوءا لك يا عمرو! رجل نزلت عليه فآواك وأحسن ضيافتك وأطعمك وسقاك ثم تكلم بكلام بينك وبينه فأجبته على كلامه ثم رحلت عنه، فالآن لما نظرت إليه في مثل هذه الحالة أسيرا قد جمعت يداه إلى عنقه وثبت قائما على قدميك تخطب عليه بجهدك! فاستحيا عمرو وندم على ما تكلم، والتفت عمر إلى أبي بكر فقال: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم! هذا رجل من سادات العرب وأشراف بني عامر وما أولاك بالصفح عنه بعد إذ قدرت عليه! فقد كان منه ما كان من غيره فاعف عنه كما عفوت عن غيره (2)! قال أبو بكر: قد عفوت عنه، ثم أطلقه رضي الله عنه وكساه وأحسن إليه وأطلق من كان معه من بني عمه.
قال: وبلغ طليحة بن خويلد الأسدي أن عيينة بن حصن وقرة بن هبيرة قد حملا إلى المدينة وقد عفا عنهما أبو بكر رضي الله عنه، فندم على ما كان منه أشد الندامة، ثم إنه وجه إلى أبي بكر رضي الله عنه من الشام مع بعض النوادر (3)، قال: فلما انتهى إلى أبي بكر كتابه وقرئ عليه رق له أبو بكر رقة شديدة وعلم أنه قد ندم على ما كان منه. قال: وجعل طليحة بن خويلد يتقدم في الرجوع إلى دار الإسلام ويتأخر إلى أن توفى أبو بكر ومضى لسبيله رحمة الله عليه ثم استخلف بعده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقدم عليه طليحة بن خويلد مسلما تائبا، فلما رآه عمر قطب في وجهه ثم قال: يا طليحة! كيف ترجو النجاة من النار وقتلت مثل