الشيباني وعلى من معه من المسلمين، وخرج كسرى ملك الفرس ذات يوم إلى الصيد فعرض له عير وحشي فاتبعه كسرى، وجرى العير بين يديه جريا شديدا وسار كسرى في طلبه حتى إذا أقفرت به الأرض وانفرد من عسكره عطف عليه العير وكلمه بإذن الله تعالى وقال له: ويلك يا يزدجرد! آمن بربك تبقى لك نعمتك ولا تكفر فيزول ملكك. قال: ففزع يزدجرد فزعا شديدا ثم رجع إلى قصره منكسرا فدعا بمؤبدته وأساورته فخبرهم بما سمع من العير فقالوا: أيها الملك! ما نظن هذا إلا حدثا يأتيك من هؤلاء العرب الذين نزلوا بساحتك.
قال: ورأى المثنى بن حارثة في منامه رؤيا هالته وأفزعته، فلما أصبح بعث إلى وزرائه فجمعهم إليه ثم قال لهم: اعلموا أني قد رأيت رؤيا، فقالوا له: وما الذي رأيت أيها الأمير؟ قال: رأيت كأن من أحسن الناس قد أقبل ومعه لواء فدفعه إلي وقال: ذل أهل فارس كذلة الهجارس، وزال ملكهم وحان هلكهم، فارحل ناجيا وامض سائرا، واستخبر خبرا واستنصر عمرا، وأنا أظن ملك الفرس قد زال وعزهم قد حال. قال: فقالت له المشايخ من قومه: صدقت رؤياك ونامت عيناك، وسر إلى عمر.
قال: وركب المثنى بعيرا له وسار مع جماعة من أصحابه يريد المدينة إلى عمر بن الخطاب (1)، فبينا هو يسير إذ غلط عن الطريق هو ومن معه، فبينما هو كذلك إذا سمع هاتفا يهتف من الجادة وهو يقول أبياتا من جملتها:
والفرس قد خذلت رايات نصرتها * وإن ملك بني ساسان قد مرجا قال: فاتبع المثنى الصوت حتى وصل إلى الطريق، ثم سار مجدا حتى قدم