دعاني من هو خير منك، قال: ومن؟ قال الله دعاني إلى الصوم فأجبته، قال: في هذا الحر الشديد؟ قال: نعم صمت ليوم هو أشد حرا منه، قال: فأفطر وصم غدا، قال: إن ضمنت لي البقاء لغد. قال: ليس ذلك لي، قال: فكيف تسألني عاجلا بآجل لا تقدر عليه؟ قال: إن طعامنا طعام طيب، قال: لم تطيبه أنت ولا الطباخ، إنما طيبته العافية.
فصل قد ذكرنا كيفية دخول الحجاج الكوفة في سنة خمس وسبعين وخطبته إياهم بغتة، وتهديده ووعيده إياهم، وأنهم خافوه مخافة شديدة، وأنه قتل عمير بن ضابئ، وكذلك قتل كميل بن زياد صبرا، ثم كان من أمره في قتال ابن الأشعث ما قدمنا، ثم تسلط على من كان معه من الرؤساء والامراء والعباد والقراء، حتى كان آخر من قتل منهم سعيد بن جبير. قال القاضي المعافى زكريا: ثنا أحمد بن محمد بن سعد الكلبي، ثنا محمد بن زكريا الغلابي، ثنا محمد - يعني ابن عبد الله بن عباس - عن عطاء - يعني ابن مصعب - عن عاصم قال: خطب الحجاج أهل العراق بعد دير الجماجم، فقال: يا أهل العراق إن الشيطان قد استبطنكم فخالط اللحم والدم، والعصب والمسامع، والأطراف (1)، ثم أفضى إلى الاسماخ (2) والامخاخ، والأشباح والأرواح، ثم ارتع فعشش، ثم باض وفرخ، ثم دب ودرج، فحشاكم نفاقا وشقاقا، وأشعركم خلافا، اتخذتموه دليلا تتبعونه، وقائدا تطيعونه، ومؤتمنا تشاورونه وتستأمرونه، فكيف تنفعكم تجربة، أو ينفعكم بيان (3)؟ ألستم أصحابي بالأهواز حيث منيتم المكر واجتمعتم على الغدر، واتفقتم على الكفر، وظننتم أن الله يخذل دينه وخلافته، وأنا والله أرميكم بطرفي وأنتم تتسللون لواذا، وتنهزمون سراعا. ويوم الزاوية وما يوم الزاوية، مما كان من فشلكم وتنازعكم وتخاذلكم وبراءة الله منكم، ونكوس قلوبكم إذ وليتم كالإبل الشاردة عن أوطانها النوازع، لا يسأل المرء منكم عن أخيه، ولا يلوي الشيخ على بنيه، حين عضكم السلاح، ونختعكم (4) الرماح. ويوم دير الجماجم وما يوم دير الجماجم، بها كانت المعارك والملاحم:
بضرب يزيل الهام عن مقيله * ويذهل الخليل عن خليله يا أهل العراق يا أهل الكفران بعد الفجران، والغدران بعد الخذلان (5)، والنزوة بعد النزوات، إن بعثناكم إلى ثغوركم غللتم وخنتم، وإن أمنتم أرجفتم، وإن خفتم نافقتم، لا