النجود أنه قال: ما بقيت لله عز وجل حرمة إلا وقد ارتكبها الحجاج.
وقد تقدم الحديث " إن في ثقيف كذابا ومبيرا " وكان المختار هو الكذاب المذكور في هذا الحديث، وقد كان يظهر الرفض أولا ويبطن الكفر المحض، وأما المبير فهو الحجاج بن يوسف هذا، وقد كان ناصبيا يبغض عليا وشيعته في هوى آل مروان بني أمية، وكان جبارا عنيدا، مقداما على سفك الدماء بأدنى شبهة. وقد روي عنه ألفاظ بشعة شنيعة ظاهرها الكفر كما قدمنا. فإن كان قد تاب منها وأقلع عنها، وإلا فهو باق في عهدتها، ولكن قد يخشى أنها رويت عنه بنوع من زيادة عليه، فإن الشيعة كانوا يبغضونه جدا لوجوه، وربما حرفوا عليه بعض الكلم. وزادوا فيما يحكونه عنه بشاعات وشناعات.
وقد روينا عنه أنه كان يتدين بترك المسكر، وكان يكثر تلاوة القرآن، ويتجنب المحارم، ولم يشتهر عنه شئ من التلطخ بالفروج، وإن كان متسرعا في سفك الدماء فالله تعالى أعلم بالصواب وحقائق الأمور وساترها، وخفيات الصدور وضمائرها:
قلت: الحجاج أعظم ما نقم عليه وصح من أفعاله سفك الدماء، وكفى به عقوبة عند الله عز وجل، وقد كان حريصا على الجهاد وفتح البلاد، وكان فيه سماحة بإعطاء المال لأهل القرآن، فكان يعطي على القرآن كثيرا، ولما مات لم يترك فيما قيل إلا ثلاثمائة درهم. والله أعلم.
وقال المعافى بن زكريا الجريري المعروف بابن طرار البغدادي: ثنا محمد بن القاسم الأنباري، ثنا أبي، ثنا أحمد بن عبيد، ثنا هشام أبو محمد بن السائب الكلبي، ثنا عوانة بن الحكم الكلبي. قال: دخل أنس بن مالك على الحجاج بن يوسف فلما وقف بين يديه قال له إيه إيه يا أنيس، يوم لك مع علي، ويوم لك مع ابن الزبير، ويوم لك مع ابن الأشعث، والله لأستأصلنك كما تستأصل الشاة. ولأدمغنك كما تدمغ الصمغة (1). فقال أنس: إياي يعني الأمير أصلحه الله؟
قال: إياك أعني صك الله سمعك. قال أنس: إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لولا الصبية الصغار ما باليت أي قتلة قتلت. ولا أي ميتة مت، ثم خرج من عند الحجاج فكتب إلى عبد الملك بن مروان يخبره بما قال له الحجاج، فلما قرأ عبد الملك كتاب أنس استشاط غضبا، وشفق عجبا، وتعاظم ذلك من الحجاج، وكان كتاب أنس إلى عبد الملك:
بسم الله الرحمن الرحيم إلى عبد الملك بن مروان أمير المؤمنين من أنس بن مالك، أما بعد: فان الحجاج قال لي هجرا، وأسمعني نكرا، ولم أكن لذلك أهلا، فخذ لي على يديه، فإني أمت بخدمتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحبتي إياه، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. فبعث عبد الملك إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر - وكان مصادقا للحجاج فقال له: دونك كتابي هذين فخذهما