فكم موجع يبكي عليه مفجع * ومستنجد صبرا وما هو صابر ومسترجع داع له الله مخلصا * يعدد منه كل ما هو ذاكر وكم شامت مستبشر بوفاته * وعما قليل للذي صار صائر فشقت جيوبها نساؤه، ولطمت خدودها إماؤه، وأعول لفقده جيرانه، وتوجع لرزيته إخوانه، ثم أقبلوا على جهازه، وشمروا لابرازه. كأنه لم يكن بينهم العزيز المفدى، ولا الحبيب المبدى.
وحل أحب القوم كان بقربه * يحث على تجهيزه ويبادر وشمر من قد أحضروه لغسله * ووجه لما فاض للقبر حافر وكفن في ثوبين واجتمعت له * مشيعة إخوانه والعشائر فلو رأيت الأصغر من أولاده، قد غلب الحزن على فؤاده، ويخشى من الجزع عليه، وخضبت الدموع عينيه، وهو يندب أباه ويقول: يا ويلاه وا حراباه: - لعاينت من قبح المنية منظرا * يهال لمرآة ويرتاع ناظر أكابر أولاد يهيج اكتئابهم * إذا ما تناساه البنون الأصاغر وربة نسوان عليه جوازع * مدامعهم فوق الخدود غوازر ثم أخرج من سعة قصره، إلى ضيق قبره، فلما استقر في اللحد وهيئ عليه اللبن، احتوشته أعماله وأحاطت به خطاياه، وضاق ذرعا بما رآه، ثم حثوا بأيديهم عليه التراب، وأكثروا البكاء عليه والانتحاب، ثم وقفوا ساعة عليه، وأيسوا من النظر إليه، وتركوه رهنا بما كسب وطلب.
فولوا عليه معولين وكلهم * لمثل الذي لاقى أخوه محاذر كشاء رتاع آمنين بدا لها * بمدينة بادي الذراعين حاسر فريعت ولم ترتع قليلا وأجفلت * فلما نأى عنها الذي هو جازر عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال الانعام اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى، واعتبر بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.
ثوى مفردا في لحده وتوزعت * مواريثه أولاده والأصاهر وأحنوا على أمواله يقسمونها * فلا حامد منهم عليها وشاكر فيا عامر الدنيا ويا ساعيا لها * ويا آمنا من أن تدور الدوائر كيف أمنت هذه الحالة وأنت صائر إليها لا محالة؟ أم كيف ضيعت حياتك وهي مطيتك إلى