الحسن البصري يقول: وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرءا ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليها حسرته إلى يوم القيامة. وقال شريك القاضي عن عبد الملك بن عمير، قال، قال الحجاج يوما: من كان له بلاء أعطيناه على قدره، فقام رجل فقال: اعطني فإني قتلت الحسين، فقال: وكيف قتلته؟ قال: دسرته بالرمح دسرا، وهبرته بالسيف هبرا، وما أشركت معي في قتله أحدا. فقال: اذهب فوالله لا تجتمع أنت وهو في موضع واحد، ولم يعطه شيئا. وقال الهيثم بن عدي: جاء رجل إلى الحجاج فقال: إن أخي خرج مع ابن الأشعث فضرب على اسمي في الديوان ومنعت العطاء وقد هدمت داري، فقال الحجاج، أما سمعت قول الشاعر:
حنانيك من تجنى عليك وقد * تعدى الصحاح مبارك الجرب ولرب مأخوذ بذنب قريبه * ونجا المقارف صاحب الذنب؟
فقال الرجل: أيها الأمير! إني سمعت الله يقول غير هذا، وقول الله أصدق من هذا، قال: وما قال؟ قال (قالوا يا أيها العزيز إن له أبا شيخا كبيرا فخذ أحدنا مكانه إنا نراك من المحسنين، قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا لظالمون) [يوسف: 78 - 79] قال: يا غلام أعد اسمه في الديوان وابن داره، واعطه عطاءه، ومر مناديا ينادي: صدق الله وكذب الشاعر. وقال الهيثم بن عدي عن ابن عباس: كتب عبد الملك إلى الحجاج أن ابعث إلي برأس أسلم بن عبد البكري، لما بلغني عنه، فأحضره الحجاج فقال: أيها الأمير أنت الشاهد وأمير المؤمنين الغائب، وقال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) [الحجرات: 6] وما بلغه باطل، وإني أعول أربعة وعشرين امرأة ما لهن كاسب غيري وهن بالباب، فأمر الحجاج باحضارهن، فلما حضرن جعلت هذه تقول: أنا خالته، وهذه أنا عمته، وهذه أنا أخته، وهذه أنا زوجته، وهذه أنا بنته، وتقدمت إليه جارية فوق الثمان ودون العشرة، فقال لها الحجاج: من أنت؟ فقالت: أنا ابنته، ثم قالت: أصلح الله الأمير، وجثت على ركبتيها وقالت: - أحجاج لم تشهد مقام بناته * وعماته يندبنه الليل أجمعا أحجاج كم تقتل به إن قتلته * ثمانا وعشرا واثنتين وأربعا أحجاج من هذا يقوم مقامه * علينا فمهلا إن تزدنا تضعضعا أحجاج إما أن تجود بنعمة * علينا وإما أن تقتلنا معا قال: فبكى الحجاج وقال: والله لا أعنت عليكن ولا زدتكن تضعضعا، ثم كتب إلى عبد الملك بما قال الرجل، وبما قالت ابنته هذه، فكتب عبد الملك إلى الحجاج يأمره باطلاقه وحسن صلته وبالاحسان إلى هذه الجارية وتفقدها في كل وقت. وقيل إن الحجاج خطب يوما فقال: أيها الناس الصبر عن محارم الله أيسر من الصبر على عذاب الله. فقام إليه رجل فقال له: