منه بالعلم، فلا يقع في هلكة، وقال: ولا أعلم أحدا اشترطه لهذه الثلاثة إلا عروة بن الزبير، وعمر بن عبد العزيز. وكان عروة يقرأ كل يوم ربع القرآن ويقوم به في الليل، وكان أيام الرطب يثلم حائطه للناس فيدخلون ويأكلون، فإذا ذهب الرطب أعاده، وقال الزهري: كان عروة بحرا لا ينزف ولا تكدره الدلاء. وقال عمر بن عبد العزيز: ما أحد أعلم من عروة وما أعلمه يعلم شيئا أجهله، وقد ذكره غير واحد في فقهاء المدينة السبعة الذين ينتهي إلى قولهم، وكان من جملة الفقهاء العشرة الذين كان عمر بن عبد العزيز يرجع إليهم في زمن ولايته على المدينة وقد ذكر غير واحد أنه وفد على الوليد بدمشق، فلما رجع أصابته في رجله الآكلة فأرادوا قطعها، فعرضوا عليه أن يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يحس بالألم ويتمكنوا من قطعها، فقال: ما ظننت أن أحدا يؤمن بالله يشرب شيئا يغيب عقله حتى لا يعرف ربه عز وجل، ولكن هلموا فاقطعوها فقطعوها من ركبته وهو صامت لا يتكلم، ولا يعرف أنه أن، وروى أنهم قطعوها وهو في الصلاة فلم يشعر لشغله بالصلاة فالله أعلم. ووقع في هذه الليلة التي قطعت فيها رجله ولد له يسمى محمدا كان أحب أولاده من سطح فمات، فدخلوا عليه فعزوه فيه، فقال: اللهم لك الحمد، كانوا سبعة فأخذت واحدا وأبقيت ستة، وكان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا وأبقيت ثلاثة، فلئن كنت قد أخذت فلقد أعطيت، ولئن كنت قد ابتليت فقد عافيت. قلت: قد ذكر غير واحد أن عروة بن الزبير لما خرج من المدينة متوجها إلى دمشق ليجتمع بالوليد، وقعت الاكلة في رجله في واد قرب المدينة وكان مبدؤها هناك، فظن أنها لا يكون منها ما كان، فذهب في وجهه ذلك، فما وصل إلى دمشق إلا وهي قد أكلت نصف ساقه، فدخل على الوليد فجمع له الأطباء العارفين بذلك، فأجمعوا على أنه إن لم يقطعها وإلا أكلت رجله كلها إلى وركه. وربما ترقت إلى الجسد فأكلته، فطابت نفسه بنشرها وقالوا له: ألا نسقيك مرقدا حتى يذهب عقلك منه فلا تحس بألم النشر؟ فقال: لا! والله ما كنت أظن أن أحدا يشرب شرابا ويأكل شيئا يذهب عقله، ولكن إن كنتم لابد فاعلين فافعلوا ذلك وأنا في الصلاة فإني لا أحسن بذلك، ولا أشعر به. قال: فنشروا رجله من فوق الاكلة، من المكان الحي، احتياطا أنه لا يبقى منها شئ، وهو نائم يصلي، فما تضور ولا اختلج، فلما انصرف من الصلاة عزاه الوليد في رجله، فقال: اللهم لك الحمد، كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدا فلئن كنت قد أخذت فقد أبقيت، وإن كنت قد أبليت فلطالما عافيت، فلك الحمد على ما أخذت وعلى ما عافيت. قال:
وكان قد صحب معه بعض أولاده من جملتهم ابنه محمد، وكان أحبهم إليه، فدخل دار الدواب فرفسته فرس فمات، فأتوه فعزوه فيه، فقال: الحمد لله كانوا سبعة فأخذت منهم واحدا وأبقيت ستة، فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت. فلما قضى حاجته من دمشق رجع إلى المدينة، قال: فما سمعناه ذكر رجله ولا ولده، ولا شكا ذلك إلى أحد حتى دخل وادي القرى، فلما كان في المكان الذي أصابته الاكلة فيه قال: (لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا) [الكهف: 63] فلما دخل المدينة أتاه الناس يسلمون عليه ويعزونه في رجله وولده، فبلغه أن بعض