بشر عن سالم الأفطس قال: أتي الحجاج بسعيد بن جبير وهو يريد الركوب وقد وضع إحدى رجليه في الغرز، فقال: والله أركب حتى تتبوأ مقعدك من النار، اضربوا عنقه، فضربت عنقه. قال:
والتبس الحجاج في عقله مكانه، فجعل يقول: قيودنا قيودنا، فظنوا أنه يريد القيود التي على سعيد، فقطعوا رجليه من أنصاف ساقيه وأخذوا القيود:
وقال محمد بن أبي حاتم: ثنا عبد الملك بن عبد الله [عن هلال] بن خباب، قال: جئ بسعيد بن جبير إلى الحجاج فقال: كتبت إلى مصعب بن الزبير؟ فقال: بلى كتبت إلى مصعب، قال: لا والله لأقتلنك قال: إني إذا لسعيد كما سمتني أمي. قال فقتله، فلم يلبث الحجاج بعده إلا أربعين يوما، وكان إذا نام يراه في المنام يأخذ بمجامع ثوبه ويقول: يا عدو الله فيم قتلتني؟ فيقول الحجاج: مالي ولسعيد بن جبير، مالي ولسعيد بن جبير؟ قال ابن خلكان (1): كان سعيد بن جبير بن هشام الأسدي مولى بني والبة (2) كوفيا أحد الاعلام من التابعين، وكان أسود اللون، وكان لا يكتب على الفتيا، فلما عمي ابن عباس كتب، فغضب ابن عباس من ذلك، وذكر مقتله كنحو ما تقدم، وذكر أنه كان في شعبان، وأن الحجاج مات بعده في رمضان، وقيل قبل بستة أشهر. وذكر عن الإمام أحمد أنه قال: قتل سعيد بن جبير وما على وجه الأرض أحد إلا وهو محتاج - أو قال مفتقر - إلى علمه. ويقال ان الحجاج لم يسلط بعده على أحد، وسيأتي في ترجمة الحجاج أيضا من هذا. قال ابن جرير: وكان يقال لهذه السنة سنة الفقهاء، لأنه مات فيها عامة فقهاء المدينة، مات في أولها علي ابن الحسين، زين العابدين، ثم عروة بن الزبير، ثم سعيد بن المسيب، وأبو بكر عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسعيد بن جبير من أهل مكة، وقد ذكرنا تراجم هؤلاء في كتابنا التكميل، وسنذكر طرفا صالحا ها هنا إن شاء الله تعالى.
قال ابن جرير: واستقضى الوليد بن عبد الملك في هذه السنة على الشام سليمان بن صرد (3) وحج بالناس فيها العباس (4) بن الوليد، ويقال مسلمة بن عبد الملك، وكان على نيابة مكة خالد القسري، وعلى المدينة عثمان بن حيان، وعلى المشرق بكماله الحجاج، وعلى خراسان قتيبة بن مسلم، وعلى الكوفة من جهة الحجاج زياد بن جرير، وعلى قضائها أبو بكر بن أبي موسى، وعلى إمرة البصرة من جهة الحجاج الجراح بن عبد الله الحكمي، وعلى قضائها عبد الله (5) بن أذينة، والله سبحانه وتعالى أعلم.