قالت: لا! قال: فاكتبوه في الذرية. فقالت زوجته فاطمة: أتفعل هذا به وقد شج ابنك؟ فعل الله به وفعل، المرة الأخرى يشج ابنك ثانية. فقال: ويحك، إنه يتيم وقد أفزعتموه. وقال مالك بن دينار: يقولون مالك زاهد، أي زهد عندي؟ إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز، أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها جملة. قالوا: ولم يكن له سوى قميص واحد فكان إذا غسلوه جلس في المنزل حتى ييبس، وقد وقف مرة على راهب فقال له: ويحك عظني، فقال له: عليك بقول الشاعر: - تجرد من الدنيا فإنك إنما * خرجت إلى الدنيا وأنت مجرد قال: وكان يعجبه ويكرره وعمل به حق العمل. قالوا: ودخل على امرأته يوما فسألها أن تقرضه درهما أو فلوسا يشتري له بها عنبا، فلم يجد عندها شيئا، فقالت له: أنت أمير المؤمنين وليس في خزانتك ما تشتري به عنبا؟ فقال: هذا أيسر من معالجة الأغلال والأنكل غدا في نار جهنم.
قالوا: وكان سراج بيته على ثلاث قصبات في رأسهن طين، قالوا: وبعث يوما غلامه ليشوي له لحمة فجاءه بها سريعا مشوية، فقال: أين شويتها؟ قال: في المطبخ، فقال: في مطبخ المسلمين؟ قال: نعم. فقال: كلها فإني لم أرزقها، هي رزقك. وسخنوا له الماء في المطبخ العام فرد بدل ذلك بدرهم حطبا. وقالت زوجته: ما جامع ولا احتلم وهو خليفة. قالوا: وبلغ عمر بن عبد العزيز عن أبي سلام الأسود أنه يحدث عن ثوبان بحديث الحوض فبعث إليه فأحضره على البريد وقال له، كالمتوجع له: يا أبا سلام ما أردنا المشقة عليه، ولكن أردت أن تشافهني بالحديث مشافهة، فقال: سمعت ثوبان يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " حوضي ما بين عدن إلى عمان البلقاء ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، وأكوابه عدد نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، وأول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسا، الدنس ثيابا، الذين لا ينكحون المتنعمات، ولا تفتح لهم السدد ". فقال عمر: لكني نكحت المتنعمات، فاطمة بنت عبد الملك، فلا جرم لا أغسل رأسي حتى يشعث، ولا ألقي ثوبي حتى يتسخ. قالوا: وكان له سراج يكتب عليه حوائجه، وسراج لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين، لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفا. وكان يقرأ في الصحف كل يوم أول النهار، ولا يطيل القراءة، وكان له ثلاثمائة شرطي، وثلاثمائة حرسي، وأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا فاشتمه ثم رده مع الرسول، وقال له: قل له قد بلغت محلها، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقبل الهدية، وهذا رجل من أهل بيتك، فقال: إن الهدية كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدية، فأما نحن فهي لنا رشوة. قالوا: وكان يوسع على عماله في النفقة، يعطي الرجل منهم في الشهر مائة دينار، ومائتي دينار، وكان يتأول أنهم إذا كانوا في كفاية تفرغوا لاشغال المسلمين، فقالوا له: لو أنفقت على عيالك كما تنفق على عمالك؟ فقال: لا أمنعهم حقا لهم، ولا أعطيهم حق غيرهم. وكان أهله قد بقوا في جهد عظيم فاعتذر بأن معهم سلفا كثيرا من قبل ذلك، وقال يوما لرجل من ولد علي: إني