لأستحي من الله أن تقف ببابي ولا يؤذن لك، وقال لآخر منهم: إني لأستحي من الله وأرغب بك أن أدنسك بالدنيا لما أكرمك الله به. وقال أيضا: كنا نحن وبنو عمنا بنو هاشم مرة لنا ومرة علينا، نلجأ إليهم ويلجئون إلينا، حتى طلعت شمس الرسالة فأكسدت كل نافق، وأخرست كل منافق، وأسكتت كل ناطق.
وقال أحمد بن مروان: ثنا أبو بكر ابن أخي خطاب، ثنا خالد بن خداش، ثنا حماد بن زيد عن موسي بن أيمن الراعي - وكان يرعى الغنم لمحمد بن عيينة - قال: كانت الأسد والغنم والوحش ترعى في خلافة عمر بن عبد العزيز في موضع واحد، فعرض ذات يوم لشاة منها ذئب فقلت: إنا لله، ما أرى الرجل الصالح إلا قد هلك. قال فحسبناه فوجدناه قد هلك في تلك الليلة. ورواه غيره عن حماد فقال: كان يرعى الشاة بكرمان فذكر نحوه، وله شاهد من وجه آخر، ومن دعائه:
اللهم إن رجالا أطاعوك فيما أمرتهم وانتهوا عما نهيتهم، اللهم وإن توفيقك إياهم كان قبل طاعتهم إياك، فوفقني. ومنه: اللهم إن عمر ليس بأهل أن تناله رحمتك، ولكن رحمتك أهل أن تنال عمر.
وقال له رجل: أبقاك الله ما كان البقاء خيرا لك، فقال: هذا شئ قد فرغ منه، ولكن قل:
أحياك الله حياة طيبة، وتوفاك مع الأبرار. وقال له رجل: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟ فقال:
أصبحت بطيئا بطينا، متلوثا بالخطايا، أتمنى على الله عز وجل. ودخل عليه رجل فقال: يا أمير المؤمنين إن من كان قبلك كانت الخلافة لهم زين، وأنت زين الخلافة، وإنما مثلك يا أمير المؤمنين كما قال الشاعر:
وإذا الدر زان حسن وجوه * كان للدر حسن وجهك زينا قال: فأعرض عنه عمر. وقال رجاء بن حياة: سمرت عند عمر بن عبد العزيز ذات ليلة فعشى السراج فقلت: يا أمير المؤمنين: ألا أنبه هذا الغلام يصلحه؟ فقال: لا! دعه ينام، لا أحب أن أجمع عليه عملين. فقلت: أفلا أقوم أصلحه؟ فقال: لا! ليس من المروءة استخدام الضيف، ثم قام بنفسه فأصلحه وصب فيه زيتا ثم جاء وقال: قمت وأنا عمر بن عبد العزيز، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز، وقال: أكثروا ذكر النعم فإن ذكرها شكرها. وقال: إنه ليمنعني من كثرة ذكرها مخافة المباهاة، وبلغه أن رجلا من أصحابه توفي، فجاء إلى أهله ليعزيهم فيه، فصرخوا في وجهه بالبكاء عليه، فقال: مه، إن صاحبكم لم يكن يرزقكم، وإن الذي يرزقكم حي لا يموت، وإن صاحبكم هذا، لم يسد شيئا من حفركم، وإنما سد حفرة نفسه، ألا وإن لكل امرئ منكم حفرة لا بد والله أن يسدها، إن الله عز وجل لما خلق الدنيا حكم عليها بالخراب، وعلى أهلها بالفناء وما امتلأت دار خبرة إلا امتلأت عبرة، ولا اجتمعوا إلا تفرقوا، حتى يكون الله هو الذي يرث الأرض ومن عليها، فمن كان منكم باكيا فليبك على نفسه، فإن الذي صار إليه صاحبكم كل الناس يصيرون إليه غدا.