وغير نفحة أعواد تشب له * وقل ذلك من زاد لمنطلق بأيما بلد كانت منيته * إن لا يسر طائعا في قصدها يسق ونظر عمر بن عبد العزيز وهو في جنازة إلى قوم قد تلثموا من الغبار والشمس وانحازوا إلى الظل فبكى وأنشد:
من كان حين تصيب (1) الشمس جبهته * أو الغبار يخاف الشين والشعثا ويألف الظل كي تبقى بشاشته * فسوف يسكن يوما راغما جدثا في قعر مظلمة غبراء موحشة * يطيل في قعرها تحت الثرى اللبثا (2) تجهزي بجهاز تبلغين به * يا نفس قبل الردى (3) لم تخلقي عبثا هذه الأبيات ذكرها الآجري في أدب النفوس بزيادة فيها فقال: أخبرنا أبو بكر، أنبأنا أبو حفص عمر بن سعد القراطيسي، حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي الدنيا، حدثني محمد بن صالح القرشي، أخبرني عمر بن الخطاب الأزدي، حدثني ابن لعبد الصمد بن عبد الاعلى بن أبي عمرة قال: أراد عمر بن عبد العزيز أن يبعثه رسولا إلى إليون طاغية الروم يدعوه إلى الاسلام، فقال له عبد الاعلى: يا أمير المؤمنين! إئذن لي في بعض بني يخرج معي - وكان عبد الاعلى له عشرة من الذكور - فقال له: انظر من يخرج معك من ولدك. فقال: عبد الله، فقال له عمر: إني رأيت ابنك عبد الله يمشي مشية كرهتها منه ومقته عليها، وبلغني أنه يقول الشعر. فقال عبد الاعلى: أما مشيته تلك فغريزة فيه، وأما الشعر فإنما هو نواحة ينوح بها على نفسه، فقال له: مر عبد الله يأتيني وخذ معك غيره، فراح عبد الاعلى بابنه عبد الله إليه، فاستنشده فأنشده ذلك الشعر المتقدم:
تجهزي بجهاز تبلغين به * يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا ولا تكدي لمن يبقى وتفتقري * إن الردى وارث الباقي وما ورثا واخشي حوادث صرف الدهر في مهل * واستيقظي لا تكوني كالذي بحثا عن مدية كان فيها قطع مدته * فوافت الحرث موفورا كما حرثا لا تأمني فجع دهر مترف ختل * قد استوى عنده من طاب أو خبثا يا رب ذي أمل فيه على وجل * أضحى به آمنا أمسى وقد حدثا من كان حين تصيب الشمس جبهته * أو الغبار يخاف الشين والشعثا