بقدر ما يدخل الانسان رأسه فيها إلى أن تبلغ العنق، كان إذا فتر عن العبادة أو ذكر بعض ذنوبه وضعها في رقبته، وربما كان يضعها إذا نعس لئلا ينام، ووجدوا صندوقا مقفلا ففتح فوجدوا فيه سفطا ففتحه فإذا فيه دراعة وتبان، كل ذلك من مسوح غليظ، فبكى يزيد ومن معه وقال:
يرحمك الله يا أخي، إن كنت لنقي السريرة، نقي العلانية. وخرج عمر بن الوليد وهو مخذول وهو يقول: أستغفر الله، إنما قلت ما قيل لي.
وقال رجاء: لما احتضر جعل يقول: اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب لما عجلت تأخيرا، ولا لما أخرت تعجيلا. فلا زال يقول ذلك حتى مات. وكان يقول: لقد أصبحت ومالي في الأمور هوى إلا في مواضع قضاء الله فيها.
وقال شعيب بن صفوان: كتب سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب إلى عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة: أما بعد يا عمر فإنه قد ولي الخلافة والملك قبلك أقوام، فماتوا على ما قد رأيت، ولقوا الله فرادى بعد الجموع والحفدة والحشم، وعالجوا نزع الموت الذي كانوا منه يفرون، فأنفقأت عينهم التي كانت لا تفتأ تنظر لذاتها، واندفنت رقابهم غير موسدين بعد لين الوسائد، وتظاهر الفرش والمرافق والسرر والخدم، وانشقت بطونهم التي كانت لا تشبع من كل نوع ولون من الأموال والأطعمة، وصاروا جيفا بعد طيب الروائح العطرة، حتى لو كانوا إلى جانب مسكين ممن كانوا يحقرونه وهم أحياء لتأذى بهم، ولنفر منهم، بعد إنفاق الأموال على أغراضهم من الطيب والثياب الفاخرة اللينة، كانوا ينفقون الأموال إسرافا في أغراضهم وأهوائهم، ويقترون في حق الله وأمره، فإن استطعت أن تلقاهم يوم القيامة وهم محبوسون مرتهنون بما عليهم، وأنت غير محبوس ولا مرتهن بشئ فافعل، واستعن بالله ولا قوة إلا بالله سبحانه:
وما ملك عما قليل بسالم * ولو كثرت أحراسه ومواكبه (1) ومن كان ذا باب شديد وحاجب (2) * فعما قليل يهجر الباب حاجبه وما كان غير الموت حتى تفرقت * إلى غيره أعوانه وحبائبه (3) فأصبح مسرورا به كل حاسد (4) * وأسلمه أصحابه وحبائبه (5)